الخط العربي أهميَّته وتطوره

كتب:مفيد صيداوي (عرعرة – المثلث)

لن أستطيع في هذه العجالة أن ألخص مسيرة الخط العربي وتطوره وأهميته، ولكنني سأحاول التوقف عند بعض المحطات الأساسية لهذا الخط الجميل الأنيق: 

تعريف الخط: 
هناك عدة تعريفات للخط، ولكننا سنتناول بعض التعريفات القديمة فمثلا يقول القلقشندي في كتابه صبح الأعشى: "الخط ما تنعَرِفُ منه صُور الحروف المفردة. وأوضاعها وكيفية تركيبها خطا"(1). 
أما إقليدس وهو من الفلاسفة الرياضيين اليونانيين فيقول: "الخط هندسةٌ روحانيّة وإن ظَهرت بآلة جسمانيّة"(2). 
 
تَطَوُّر الخط العربي:
 الخط العربي ككل علم وكل مخلوق خاضع لعملية التطور والارتقاء والتعديل التدريجي التكيفي لأنماط أسبق وجودا، مع نشأة أنماط جديدة وذلك لأن التطور هو عملية واسعة النِّطاق من التعديل التدريجي، التكيفي التراكمي لأنماطٍ أسبق وجودا، مع نشأةِ أنماطٍ جديدةٍ. ذلك أن الخط باعتباره فناَ أيضا فهو دائما يتطور ويتقدم ويتحسَّن، والفنون سوف تستمر في نُمُوِّها في المستقبل، ولذلك إنَّكلَّ فنٍّ حديثٍ هو أكثرُ تطورا من الفن الأقدم (3)، ولذلك الخط العربي اليوم هو بالضرورة أكثر تطورا عما سبقهُ مع المحافظة على الأصول ومرجعيّاته الأولى.
 وقد تطور الخط العربي من عصر إلى آخر من العصور العربية من الجاهلية حتى العصور الإسلامية فالعرب قبل الإسلام كانوا "يعرفون الكتابة ويعظِّمون الخط، وذلك لأنهم كانوا يُعَظِّمون الكتاب، ويذكرون أدوات الكتابة في لُغتِهم، ومن تلك الأدوات القلم والقرطاس والصحف والمداد والورق وغير ذلك ممّا يدل على استعمالهم الكتابة في شؤون حياتهم"(4).
 ونحن في عجالة الحديث عن تطور الخط العربي لا بد لنا أن نشير إلى أن الباحثين اختلفوا حول الزمان والمكان الذي بدأ به الخط العربي (5)، ولن نقحم أنفسنا الآن في بيان هذه الاختلافات، بل سنبدأ من حيث أتفق عليه المؤرخون إلى حد بعيد حول عصور الخط العربي وإن كانت مرتبطة إلى حد بعيد بالعصور السياسية أو التكوينات السياسية العربية.

الدور الصوري المادي:
وهو أول هذه الأدوار أو العصور، وهو دور رسم الخبر الذي يريد الإنسان أن يخبر عنه عن طريق الصورة، كرسم رجل على رأسه تاج وبيده سيف وأمامه أسد، وقد غمد السيف في جسمه لكي يخبروا أن ملكا قتل أسداً (6).

الدور الصوري المعنوي:
وهو الدور الذي توصل الانسان فيها إلى استنباطِ صورة ترمز إلى المعنى الذي يريدهُ، حيث رسم الصورة للدلالة على المعنى فصورة الرجل الذي يغمد السيف في صدر الأسد رسم معنوي (تعبيري)عن الجرأة والشجاعة والاقدام. (7)

الدور الصوري الحرفي:
فيه ارتقت الكتابة من الرسوم الدالة على الخبر، والصورة، والتعبير للدلالة على مقاطع الكلمات وحروفها لتصبحَ دورا صوريّا حرفِيّا، فإذا أرادَ مثلا أن يبدأَ بالمقطع يد (مثل) يدرس، يدفع يداهم ... الخ، فإنه يرسم صورة يد ويعتبرها مقطعا هجائيّا لا يراد به الكف نفسهُ، وإنما يراد به صورة الياء والدال(8). 

الدور الحرفي: 
حيث كانت الرموز الحرفية كالهمزة المفتوحة مثلا للدلالة على أول مقطع حرفي من كلمة أسد، وصورة الكلب يرمز لها بالحلاف "ك" وصورة الغزال ويرمز لها بالحرف "غ".(9).

العصر الإسلامي الأول: 
عصر النبي: فقد دخلت الكتابة في هذا العصر دورا جديدا إذ بأت تعمل من خلال النظام الاجتماعي الجديد الذي وضعه الإسلام بكل جوانبه الماديّةِ والمعنويّةِ وصارت واسطة من أهم الوسائط في التثبيت والتلقين والنشر، واكتسبت القراءة والكتابة أهمية منذ الكلمة الأولى التي نزلت على الرسول محمد (ص)، وهي كلمة (إقرأ ) كأول كلمة يتلقاها الرسول من جبريل، وكان الرسول يطلب من الصحابة تسجيل المعلومات بالكتابة، ويوصيهم بالحفاظ عليها، وقد حث الرسول أصحابه على تعلم الكتابة، وحرصَ على نشرها ... وهكذا استمر بعده الخلفاء الراشدون .(10)

العصر الأموي: 
أخذ الخط يتطور أيضا في هذا العصر ولبس ثوبا مزركشا بالنقط والحركات وذلك خوفا من التصحيف والتحريف نتيجة للتوسع الكبير للدولة الأموية التي ضمت إليها الكثير من الأقطار من الناطقين بلغات أخرى غير العربية. (11). وقد أصلح هذا العصر في الشكل والضوابط وكذلك في الاعجام. 

العصر العباسي: 
اهتم العباسيون في بناء بغداد على أحدث طراز في ذلك العصر، واختلطوا بالأجناس الأخرى وقد أشار المؤرخ ابن خلدون لذلك قائلا: " إن لاختلاط بني العباس مع الاجناس الأخرى وترقى والعمران أثرا في رقي الخط، وكانت دار السّلام مركز الدولة العربيّة وانتسخت الكتب، وأجيد كتابتها وتجليدها وملئت القصور والخزائن الملوكيّة بما لا كفاء لهُ "، وبدون شك أن السمة الحضارية التي وصلت إليها الدولة العباسية أدت إلى تقدم السِّمة الجمالية في الحياة، والخط من الفنون الجميلة وبهذا فقد نال نصيبه الوافر من الفن والترف. وبرز في هذا العصر عمالقة الخطّاطين مثل علي بن هِلال المعروف بابن البوّاب المتوفى سنة 413 للهجرة النبوية والمشهور برئيس الخطّاطين، وغيره (12).

الخط في العصر العثماني(التركي):
بسقوط بغداد تأثر الخط العربي سلبيا، ولكن العصر العثماني في عهد السلطان سليم الأول أعاد له أهميته باستدعاء أعاظم الخطّاطين من مصر وبلاد فارس، فبرعوا في تجويد الخط العربي والفارسي وعلموا الأتراك فنهم فتفوق الأتراك على معلميهم واخترعوا خطوطا جديدة ومنها الخط الديواني، والجلى الديواني، وخط الرقعة، وخط الطغراء ومن الخطوط التركية المتطورة أخذ أهل مصر والشّام طريقتهم.(13).

الخط العربي في مصر: 
كتب المؤرخون أن الملك فؤاد الأول استقدم كبار الخطاطين من تركيا وعلى رأسهم الخطاط الشيخ عبد العزيز الرفاعي سنة 1921م وكتب له المصحف وذهبه وزخرفه فكان آية من الجمال (14)، وفي زمن الثورة كانت مدارس الخط قد انتشرت والأزهر بدوره حافظ على تعليم الخط ونشره وكذلك الدولة من خلال صحفها ومجلاتها فكتبت أسماء الصحف بخطوط جميلة مثل، الأهرام، الأهالي، الطليعة، أدب ونقد، وغيرها معظم ترويسات الصحف كتبت بخط جمالي.

10: الخط في العراق: 

انتقل نقلة نوعية خاصة بعد الاستقلال تميزت بالقوة والجمال وبرز الخطاط هاشم محمد البغدادي (15) والذي جود الخط ومدرسته كانت أساسا لمدرسة العراق الحديثة.

 الخط في فلسطين: 
 رغم الظروف التي مرت بها فلسطين وما زالت تمر بها فقد ظهر الخطّاط عبد القادر الشهابي الذي كان مدرسا للخط في مدارس القدس أيام الانتداب البريطاني (16)، وكذلك الخطاط المقدسي محمد صيام الذي كتب عام 1944م ترويسة جريدة الاتحاد التي مازالت تصدر بخطه وتوقيعه وقد ولد محمد صالح حسن صيام في عام 1910م في قرية لفتا المهجرة لواء القدس، وقد أخذ الخط عن عبد القادر الشهابي المذكور أعلاه، وعن سيد إبراهيم من مصر. وقد توفي مساء يوم الأربعاء الموافق 30 يناير ( كانون الثاني)1991م، إثر نوبة قلبية حادة ودفن في مقبرة باب السّاهرة في القدس الشريف، في مكان مجاور لضريح مؤرخ مدينة القدس عارف العارف، وله عدة كراريس لتعليم الخط للصغار والكبار بينها رياض الخط العربي عام 1990م، وفي مضاهات الخطوط عام 1990م، وكرّاس السهل في ستة أجزاء وكرّاس حدائق الخط العربي، وقد نال عدة جوائز بينها جائزة مهرجان عجلون الفنّي عام 1960م، وجائزة المسابقة في الخط على اسم حامد الآمدي في إسطنبول عام 1986م، والجائزة التقديرية الأولى من قبل مؤتمر القدس العالمي للتراث الشعبي الفلسطيني عام 1987م. وبعد النكبة ظهر هنا بيننا سعيد النهري (سخنين) وهو سعيد فلاح غنايم والملقب بالنهري من مواليد مدينة سخنين في الجليل عام 1961م، كميل ضو (حيفا – عسفيا) الذي مازالت بعض كتبه في الخط تُدرس في مدارسنا، وقد ولد الفنان كميل ضو في بلدة الرّامة الجليلية سنة 1956م، وانتقلت عائلته للسكن في حيفا ونشأ وترعرع في عروس الكرمل حيفا، وتعلم في الكلية العربية الأرثوذكسية وتابع دراسته في جامعة حيفا وحصل منها على اللقب الجامعي الأول في موضوعي الرياضيات والفلسفة ودرس في كلية جوردون وحصل على اللقب الأول في التربية، عمل في جريدة الاتحاد التي مازالت تصدر في حيفا وتعرف على العديد من الأدباء والكتّاب اعرب بينهم، إميل حبيبي، وسميح القاسم، ومحمد علي طه وغيرهم.
 ونعتز بابننا غالب محمد أبو ذيب الذي يتابع مسيرة الخطاطين العرب الكبار، وهو مازال يبدع وندعو المجلس المحلي في البلدة للاهتمام بهؤلاء الفنانين ونتمنى له دوام التقدم والعطاء، ولا أنسى جاري وتلميذي معلم الخط عبد الاله محمود شاكر يونس، الذي يقوم بتدريس الخط وفق عدة نظريات في دورات خاصة وفي المدارس، ولا شك أن هناك أكثر من خطاط نحن بحاجة للكتابة عنهم وتوثيق أعمالهم. 

الخط في الأندلس:
 أقام العربُ في الأندلس حضارة علمية وفنية راقية وكان الخط العربي أحد جوانب هذه الحضارة، فتطور في الأندلس الخط القيرواني وتطور منه خط نُسِبَ إلى المهديّة، أمّا بعد ذلك فتطور خطّان أندلسيان هما الكوفي الأندلسي وتكثر فيه الزوايا، والقرطبي أو الأندلسي وفيه تكثر الانحناءآت وقد استخدم في نسخ المصاحف والكتب وكان لتعليمه تقاليد خاصّة في الأندلس والمغرب. (17).

الخط في بلاد الشام (سوريا):
انتهى الأمر إلى الخطاط مصطفى السباعي الذي كان هو والخطّاط التركي يوسف رسا، وتلميذه ممدوح الشريف أساتذة للخطاط بدوي الديراني الذي جَوَّد الخطوط بشكل وبأسلوب متميز وجميل وطبع خط التعليق بطابعه الخاص، كما طور طريقة جميلة من الخط الديواني، بالإضافة إلى إجادته للخط الكوفي، مما جعله رأسا للنهضة الخطية (18) في وطنه. 

//الخط العربي في عصر العولمة 
 لقد وضع التقدم العلمي في العالم الحديث وخاصة وسائل الاعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، والعصر الذي اصطلح على تسميته عصر العولمة، الذي يهز العالم ويضع أمامه تحديات كبيرة، كما كان الدور للعصر البرونزي، والنحاسي. والطباعة ... الخ من المخترعات التي أثرت على تطور وتغيير ما في العالم.
 ولذلك تواجه الأمم على اختلاف درجات تقدمها وتطورها – من وقت لآخر – تحديات يمكن أن يكون لها تأثير على حياة تلك الأمم وبقائها. 
 الخط العربي كجزء من اللغة العربية والثقافة العربية والاسلاميّة والثقافة العالمية – يواجه سلسلة من التحديات المستمدة من الثورة العلمية والتكنولوجية ومن التطورات المذهلة في وسائل الاتصال والمعلومات التي تقود الطريق إلى المستقبل. 
 وفي وضع العالم العربي الضعيف علميا ودوليّا نجد من ناحية الاحصائيات أن الحرف العربي في حالة دفاع على أقل تقدير أمام الحرف اللاتيني مع طغيان العولمة وذلك رغم اعتراف الأمم المتحدة باللغة العربية كلغة رسمية، وقد أصبحت العولمة القوة الرئيسية التي تقود البشرية لمتطلبات القرون الحاضرة والآتية، وأصبح من الواضح أن معظم التحولات الاقتصادية والثقافية والسياسية التي يشهدها العالم هي إما سبب من أسباب العولمة أو مجرد نتيجة من نتائجها الضخمة.
 إن للعولمة تأثيرا سلبيا على هيئة اللغة ورونقها كما يحدث الآن لمهارة الكتابة باللغة الإنجليزية وفي لغات أخرى – والانجليزية الان هي لغة الشبكة العنكبوتية بدون منازع، مع أن للغة الصينية التي لا نعرف عنها الكثير قوة في اللغة العنكبوتية إذا صح التعبير. 
 فمع استخدام التقنية الحديثة لجأ المتحدثون باللغة الإنجليزية إلى تطويرها بحيث تلائم التطور والعصر الجديد فمثلا استبدلت كلمات بأرقام. ونتساءل هل حركة الخط العربي قابلة للتفاعل مع عصر العولمة؟ وإذا كانت كذلك هل هناك من يسهر بجدية على هذا الموضوع بما في ذلك قضية الخط العربي نفسه. 

مراجع وإشارات: 
عن محاضرة القاها الكاتب في معرض الخط العربي الذي أقيم برعاية مجلة الإصلاح الثقافيّة، ومركز الفنون في بناية الحاسوب في عرعرة يوم السبت الموافق 23 أيلول 2023م.
محمد طاهر بن عبد القادر الكردي المكي الخطّاط (مصور عن الطبعة الأولى 1939م)، تاريخ الخط العربي وآدابهِ، ص8.
 المصدر نفسه: ص8. 
أحمد رأفت عبد الحميد (2005م)، أثر البيئة في تطور الخط العربي من خلال البسملة، إصدار دار طيبة، القاهرة، ص16- ص17. 
د. إبراهيم سليمان شيخ العيد (دون تاريخ)، الخط العربي حضارة ومهارة، إصدار مكتبة سمير منصور، غزة فلسطين. ص18.
 المصدر نفسه: ص19.
 المصدر نفسه: ص19.
 المصدر نفسه: ص19.
 المصدر نفسه: ص20.
 المصدر نفسه: ص20.
 المصدر نفسه: ص23.
 المصدر نفسه: ص24. 
 المصدر نفسه: ص26.
 المصدر نفسه: ص27.
 المصدر نفسه: ص28.
 المصدر نفسه: ص28.
 المصدر نفسه: ص28.
 المصدر نفسه: ص28.
 المصدر نفسه: ص28.