تواصل معنا عبر الفيسبوك | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
هموم مسرحية، المعهد – ما بعد سنة 1964 (2)
بقلم:أديب جهشان – مخرج وممثل
مؤسس مسرح السرايا العربي – يافا
عطفا على مقالتي الأولى، فقد بدأت دراسة الفن المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية بيت تسفي في رمات غان سنة 1964، كأول طالب عربي، مع زميلي يوسف فرح.
تأسس هذا المعهد سنة 1960، وكان مديره في السنتين الأوليين حاييم جامزو، وهو من أشهر النقاد المسرحيين الإسرائيليين بمقالاته في صحيفة هآرتس في تلك الفترة. تولى بعده إدارة المعهد أبراهام آسيو، الذي دعي من العاصمة البريطانية لندن خصيصًا لهذه الوظيفة، وذكرت ذلك في مقالتي السابقة.
أما الطاقم التعليمي فقد تألف من: معلمة التمثيل المرحومة فانيه لوفيتش، وهي مهاجرة من موسكو أيام الاتحاد السوفياتي، تخرجت من معهد ستنسلافسكي واضع علم الإخراج المسرحي الحديث، الذي يحمل اسمه. أما بقية المعلمين فقد قدموا من دول أخرى: بريطانيا، فرنسا، رومانيا، أميركا اللاتينية وآخرون من بلادنا. كان لهذه المجموعة دور فعال في صقل المواهب الشابة في المعهد، وبالتالي التأثير المباشر على مسار تطور المسرح العبري في البلاد. وقد كنت مع زميلي يوسف فرح بمعزل تام عن هذه الثقافات المسرحية الغربية، وكان علينا اثبات أنفسنا بجهود جبارة، وعزيمة عالية لاستيعاب المواد التعليمية الغربية.
كان عدد الطلاب في هذه السنة الدراسية 27 طالبا وطالبة، وقد ترك بعضهم الدراسة مع نهاية الفصل الأول، وآخرون تركوا في نهاية السنة، وبقي 15 طالبا بعد انتهاء السنة الدراسية الأولى ومن بينهم أنا ويوسف.
كانت الدراسة نظرية وعملية، فقد درسنا روائع الأدب العالمي، خاصة الأدب اليوناني القديم، وتعرفنا على أدباء مشهورين مثل وليم شكسبير، هنريك إبسن، أنطون تشيخوف، سترنبرغ، آرثر ميلر، جان بابتيست موليير، أتول فوغارد، تنسّي ويليامز وغيرهم، إضافة إلى الادب المحلي العبري. وكان علينا أن نفكر بشكل دائم، كيفية ربط ما نتعلمه مع ثقافتنا وأدبنا وفننا العربي، بهدف تطوير مسرح عربي مستقبلي عالمي من وحي وصميم مجتمعنا العربي.
مواضيع دراسية إضافية من ضمن البرنامج التعليمي: اللغة العبرية وأصولها، تاريخ المسرح، تحليل نصوص مسرحية، النطق السليم، تدريبات الصوت، الموسيقى، الرقص الحديث والكلاسيكي، الحركة، الرياضة، مبارزة بالسيف، عراك فني ومواضيع مُثرية أخرى.
لقد كان تأثير كبير للمذاهب الفنية العالمية على برامج الدراسة، خاصة الروسية والبريطانية، مما ترك أثرا واضحا على كوادر الطلاب، وانفتاحها على الفن المسرحي العالمي، والأساليب المعروفة في هذه المذاهب، مثل المذهب الكلاسيكي، الكوميديا، مسرح الواقع ومسرح العبث، الذي حظي باهتمام خاص، فكان لأدباء هذا المسرح قسط وافر من الدراسة، ومنهم البير كامو، صموئيل بيكت، جان جانيه، يوجين يونسكو وهارولد بنتر، وكذلك مسرح الوجودية خاصة جان بول سارتر.
لم تكن الدراسة المسرحية سهلة بتاتا، خاصة المعلمة فانية، التي كانت متشددة جدا، ولكن تأثيرها كان كبيرا على الطلاب، وعلى تطوير مواهبهم المسرحية، كما كانت ساعات الدراسة طويلة، من ساعات الصباح حتى ساعات بعد الظهر المتأخرة، وفي كثير من الأحيان حتى ساعات الليل في السنوات التالية.
نجحنا على المستوى الشخصي بعد جهود طائلة لعدة أشهر، بإيجاد مسكن صغير منعزل في رمات غان، عبارة عن غرفة نوم ومطبخ وحمام، في ساحة خلفية من بيت تسكنه عائلة يهودية، مما أراحنا من عناء السفر اليومي من وإلى حيفا. ولكن تسبب في زيادة تكاليف المعيشة، من رسوم دراسية وإقامة وطعام. لذلك بدأنا العمل عدة ساعات يوميا، في أعمال الخدمة في المطاعم في النظافة، وفي المصانع، فكل عمل متاح حتى نستطيع مواصلة الدراسة.
لم تكن الحياة الدراسية سهلة، لكننا تحملنا كل الصعاب من أجل الرسالة والهدف الذي حملناه، لخلق مسرح عربي، لعودة الروح الفنية للوطن كما كانت عليه قبل النكبة. كان ذلك مهما لشعبنا للنهوض من حطام النكبة ومتابعة الحياة، من خلال العلم والثقافة المسرحية، التي اكتسبناها من دراستنا في المعهد. وهكذا أصبحنا من أوائل المعلمين والممثلين والمخرجين لفن المسرح العربي في بلادنا.
وبالعودة إلى الظروف من حولنا، فقد مرت علينا النكبة، وبعدها الحكم العسكري وكذلك حرب 1967 في نفس السنة التي أنهينا ثلاثة سنوات التعليم، وحصلنا على الشهادة النهائية. ولم يقم المعهد في نهاية الدراسة أي احتفال للتخرج، لأن معظم طلاب الصف عادوا لحمل السلاح، ونحن حملنا حقائبنا وكتبنا وذكرياتنا من أيام الدراسة في المعهد، وعدنا أدراجنا إلى الأهل والاصدقاء في حيفا، لنبدأ مشوارنا الفني.