X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
08/09/2011 - 02:08:10 pm
المفتاح : بقلم جاسر الياس داود
جلس الحفيد ( كَنْعَش باللغة العربية الشعبية) في حضن جدته الحنونة،يداعب جدائلها أو ظفائرها التي رتبتها وتعبت في ترتيبها،بعد استحمامها بالماء البارد إذ كان الطقس حاراً،ثم مدَّ يده الرقيقة والنحيلة الى مفتاح معلق في رقبتها،وسألها:

يا جدتي هذه أول مرة أشوف مفتاح كبير زي هذا المفتاح!!!

ضحكت الجدة وفي عينيها وقلبها لوعة الذكرى أو الذكريات،التي سكنت في قلبها وما زالت منذ عشرات السنين،ثم أجابته بلغة الأطفال كي يفهم كنه وأهمية هذا المفتاح الكبير،وقالت:

يا ستي،هذا المفتاح مفتاح بيتنا،أيوَة مفتاح بيتنا.

ضحك الطفل الحفيد وقال لجدته:يا ستي مفتاح بيتنا مش هيك شِكْله،مفتاح بيتنا صغير بَسْ هذا المفتاح طويل وكبير.

تنهدت الجدة تنهيدة عميقة،مع أنّة صغيرة أخرجتها في آخر التنهيدة،فزع الطفل ونهض خائفاً على جدته وبادرها بالسؤال: يا ستي مالِك إشي، بوجعك إشي قُليلي بروح هقول لأبوي بجبلك الدكتور. ضمَّت الجدة الى صدرها الحفيد الخائف عليها،وبحرارة قبلته عدة قبلات وهي تقول: والله إنتِ حنون عليَّ زي أبوك مَ حنون عليَّ وعليكو، لا يا ستي أنا مِش مريضة، أنا بتذكّر بيتنا إللي طلعنا منو غص مِن عنا. والله يا ستي ما أخدنا معنا إشي غير الأواعي اللي عَ أجسامنا،وبعض الأغراض والأوراق ومنهن أوراق طابو الأراضي،وأنا سكّرت بهذا المفتاح باب بيتنا،وقلنا لحالنا راح نرجع إلو بعد فترة وهاي الفترة سحبت سنين وسنين وإحنا بعدنا بنقول:بُكْرَة راح نرجع لبيتنا،وهيانا بعدنا ناطرين.

إغرورقت عيون الجدة بالدموع،دموع الحنين والاشتياق أو الشوق لتراب بلدتها التي أبعدوها عنها هي وزوجها وأولادها الصغار قبل عشرات السنين،نعم،انها دموع الأمل لدى الجدة بأن هذا الحفيد الحنون والجالس في حضنها يداعب بيديه الرفيعتين

وبأنامله النحيلة ظفائرها،سيعود الى البلدة التي حُرمت منها الجدة،وبهذا يكون قد حقق أمل جدته وأقاربها الذين رافقوها في هذه الرحلة القسرية وطويلة الأمد.

هذا المفتاح يا ستي – استمرت الجدة في الحديث عن المفتاح- أمانة. مِش بقولو عن الإشي الغالي على قلب الانسان: دير بالك عليه هذا أمانة برقبتك. وهذا المفتاح أمانة برقبتي يا ستي،وراح يوخدو أبوك بعد موتي، إذا ما رجعنا أنا وانت وهنّ لبلدتنا وأنا حيّة. واذا أبوك يا ستي ما رجِع وهو حي الى بلدنا اللي طلعنا منها غص مِنْ عنّا،راح توخذو إنت وتحافظ عليه معقول عزمانك يرجع الحق لصحابوا!!!

ابتسم الحفيد وقال:كيف بدي أدير بالي عليه هذا مفتاح كبير بغدرش أحملُ برقبتي زي مَ إنتي حامليتو يا ستي.حَقُلِّك راح أشيلو تحت المخدة اللي بنام عليها أو تحت فرشتي. وكل يوم الصبح وقبل مَنام بفقدو عشان مَ حَدا يسرقو أو يلعبو فيه ويضيع. ثم سألها: أنا وين ولدِت يا  ستي؟

إنتِ ولدت هون بالمخيم هذا يا ستي،ولمّا إمّك ولدتَك فرحنا كثير لأنّك أجيت بعد ثلاث بنات.

ليش يا ستي في فرق بين الولد أو الصبي والبنت؟

والله يا ستي هيك إحنا عايشين،لما بتولد المرأة ولد كله بفرح من الرجال والنساء،ولما بتولد بنت الأغلب بزعل.

ابتسم الحفيد ابتسامة فيها تعجب مما يسمعه من جدته،وقال: ليش بزعلو يا ستي لما بتولد بنت؟ ما إنتِ خلقتي بنت وكبرتِ،وبعدك حاملة برقبتك مفتاح البيت، لو رجَِّال كان حاملو لهذا المفتاح ممكن صار ضايع زمان.

لا يا ستي.أجابت الجدة لحفيدها،كل اللي حَمَلوا معهم مفاتيح بيوتهم بعدها معهم،على أمل نرجع عَ بلدنا في المستقبل.

إحكيلي يا ستي عن الحياة في بلدنا اللي انتِ بتحكي عنها،كيف كانت؟

يا ستي كانت المرأة تعمل وتساعد زوجها في الحقلة والزراعة،الكل بنت وولد يساعدوا بَعَض في العمل الزراعي،اللي كان عمدة حياة غالبية سكان بلدنا. يا ستي كانت حياة بساطة وقناعة بَسْ حلوة كتير.الكل يحبِّ بعضهم البعض،الجار يخاف عَ جاره،الفلاح يشوف جاره الفلاح بدّو مساعدة،بدون ما يسألو كان يحمل أداة العمل ويروح للمساعدة.  

بدِّي هقُلك يا ستي إشي وحطو حلقة بدانَك وإوْعَك تعمل غير هذا الإشي،وهو حِب الانسان كانسان،إوعك تحبو عشان شكلو أو دينو أو مكانتو الاجتماعية. بدّي هقلك قصة حدثت في بلدنا زمن حكم الانجليز: أجو الانجليز بدهن يعينوا خوري في بلدنا،فقام المسلمون قبل المسيحيين واعترضوا على هذا العمل،وقالوا:الخوري هو خوري بلدنا مش خوري للمسيحية لحالهن ولا هو خوري للانجليز،إحنا مسيحية ومسلمين بنعيِّن الخوري اللي بدنا إياه،وممنوع إيد غريبة تلعب فينا وتفرقنا،إحنا صحاب وبجيرة حسنة من جد جد جدنا،وراح نحافظ على هذا الإشي،وعشان هيك بتشوف كلنا بنحب بعض في هذا المخيم.

شو اسم بلدك أو بلدنا اللي بتستني تترجعي إلها يا ستي؟ سأل الحفيد.

والله يا ستي هذا السؤال فش أهون من جوابه.مين بسألَك منين إنتو؟ جاوبهن:من بلد الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

سأل الحفيد: يعني يا ستي كل فلسطيني بِعْرِف بلد هذا الشاعر؟

كلهن يا حفيدي بعرفوا بلد محمود درويش،وليش لَكان إسمنا فلسطينيين؟!!!

حان نوم الطفل فضمّته جدته الى صدرها  وقالت له: نام يا ستي في حضني وعلى صدري،ولمّا بتقل نومك بنقلك عَ فرشتك.وهكذا استلقى الطفل أو الحفيد للنوم،وهو يحلم بحياة بلدة جدته التي طُبعت في مخيلته من خلال حديث هذه الجدة الحنونة والمثقفة.                                                                             عبلين              

 

Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت