X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
29/09/2012 - 02:53:35 am
"نساء المدِّ والجزْرِ" د. خالد تركي - حيفا

"نساء المدِّ والجزر" هو عنوان الرَّواية الثَّانية التي كتبها الأديب مائير ريفكين، الذي يسكنُ حيفا مسقط رأسه، ويبلغ من العمر الثَّامنة والسَّبعين، التي صدرت هذه الأيَّام بعد روايته الأولى "وتمزَّق قلبها إربًا"، التي رأت نور أعين القرَّاء قبل ثمانية أعوام، حيث تتحدَّث روايته الثَّانية كما الأولى عن الصَّراع العربيِّ الاسرائيليِّ في بلادنا فلسطين ما قبل وبعد نكبة شعبنا، ولكن ابطال وأحداث وشخصيَّات الرِّواية مختلفة ومشوِّقة أكثر.

حيث لا يرى كاتبنا في أفق الصِّراع أيَّ مخرج أو حلٍّ للقضيَّة، حين يبقى حسن عمري وعشيقته رعوت (صداقة بالعربيَّة) في حالة من الحيرة وعدم اليقين بخصوص مستقبلهما، الذي لم نعرف حتَّى نهاية الرِّواية شيئًا عمَّا آلت إليه علاقتهما، وتبقى النِّهاية مفتوحة..

حسن هو بروفيسور في موضوع الطِّبِّ، في جراحة الأعصاب، ويعمل مديرًا للقسم في إحدِ مستشفيات البلاد، هو ابن لعائلة كانت تعمل في الزِّراعة، في قرية جليليَّة صودرت معظم أراضيها، أنهى ثانويَّته في الكليَّة الارثوذكسيَّة العربيَّة، حيفا، وتخرَّج طبيبًا من كليَّة الطِّبِّ في برلين، جمهوريَّة ألمانيا الدِّيمقراطيَّة، بعد أن حصل على منحة أكاديميَّة من الحزب الشُّيوعي، حيث بدأت علاقته مع رعوت بعد مرور أشهر عديدة، على عمليَّة جراحيَّة أجراها حسن لزوجها، الضَّابط في الجيش، لاستئصال شظيَّة من صاروخ سقطت على رأسه وأصابته إصابة مباشرة، في عدوان تموز من العام ألفين وستَّة على لبنان، "بالذَّات هذه لبنان الصَّغيرة الحرب استنزفت دمنا" هذه الحرب التي غيَّرت مقولة الجيش أنَّه "حتَّى بكتيبة الفرقة الموسيقيَّة للجيش، يستطيع احتلال لبنان (ص 78).

أمَّا حسن فقد تزوَّج زواجًا فاشلاً من طبيبة ألمانيَّة، زميلته على مقعد الدِّراسة

الجامعيَّة، رُزِقا بطفلة، ليلى، طبيبة هي الأخرى اختارت البقاء في مسقط رأسها،

مع أنَّ محبَّتها لوالدها كبيرة.

يذكر الكاتب كيف يعاني العربيُّ من تحقيقات إذلال وتفتيشات مهينة من قبل  رجال شرطة المطار، إذ حين عاد بر. حسن إلى البلاد بعض حضور مؤتمر في جراحة الأعصاب في أوروبا ليُمثل المركز الطِّبِّي الذي يرأسه، وكيف صفَّقت له  أيادي الحضور من مشاهير أطبَّاء العالم إعجابًا بثقافته ومعلوماته وتقديرًا لعمله الأكاديميِّ والجراحيِّ، وجدهم ينتظرونه على أرض المطار، حيث أخذوه وحده وأبعدوه عن زملائه الأطبَّاء اليهود، الذين كانوا معه في المؤتمر، وزجُّوه في غرفة صغيرة حيث نزعوا عنه جميع ملابسه، ليبقى أُمِّيًّا كما ولدته أمُّه، وسألوه وهو بهذه الحالة نفس الاسئلة الغبيَّة، التي يسألونها عادةً، من قبل مبتدئين في العمل المخابراتيِّ "زَلَط"، مع أنهم يعرفون هذا المحاضر، ذا الاسم العالميِّ، ومركزه في قسم جراحة الاعصاب في ذلك المستشفى "وكم من جنود جرحى أنقذ وحفظ لهم حياتهم" (ص 120)..     

ويتطرَّق في روايته إلى أنَّ الحزب الشُّيوعيَّ استطاع أن يتغلَّبَ بنجاحٍ واضحٍ على

السِّياسة المنهجيَّة تجاه عرب هذه البلاد، ليكونوا حطَّابين وسقاة ماء (ص 99)، حين أرسل شبيبته إلى الدِّراسة في المعاهد العُليا في الدُّوَل الاشتراكيَّة.

لقد كتب القصَّة بشكل روائيٍّ جذَّاب عن فاطمة أبو صالح من قرى قضاء حيفا، التي نزحت عام النَّكبة الى الأردن، على متن حافلات ضخمة كان في حراستها رجال من العرب، مسلَّحون يُطلِقون النَّار في الهواء، عبثًا، لإرهاب ركَّاب الحافلة حتَّى لا يغيِّروا رأيهم في النُّزوح، أو لغاية في أنفسهم.

لقد لجأت فاطمة أوَّلاً إلى بلدة مجاورة، ذاقت فيها الأمرَّين من أهل البلدة ولم تعرف من تكره أكثر، الاحتلال الذي طردها من بيتها وقريتها وسلب لها  أرضها، لتبقى معلَّقة في كبد السَّماء تتنتظر رحمة الرَّحمن! أم "ذوي القُربى" الذين لجأت لتحتمي بهم، فذاقت منهم ومن معاملتهم الأمرَّين! وامتنعوا عن مخالطتهم، لأنَّهم لاجئون، وأصبحت هذه الكلمة كلمة مُهينةً ومُعيبةً ومُخجِلةً، لاجئة تُعيَّر بمصيرها القسري وتُهان، وكأنَّها مسؤولة عن هذه الكارثة، التي حلَّت بالوطن، فوجدت طريقها بعد ذلك إلى ما وراء النَّهر..

لقد دخل وليد ابن فاطمة وطنَهُ، لزيارة القرية التي حدَّثته أمُّه عنها، بجواز سفر بريطانيٍّ، حيث يعمل هناك محاضرًا في جامعاتها، فلم يجد سوى مقبرة البلد التي لم تطلها يد الدَّمار الحقودة، وعجوزًا يأتي بين الفينة والأخرى إليها للتَّشجذيب والتَّرتيب والتَّعشيب حول قبور أسلافه، التي لم يغِب عن سمائها، أثناء زيارته، صوتُ نعيق الغربان، ، التي حامت فوق رؤوسهم دون رادعٍ، والنَّعيق كما نعلم من عاداتنا هو شارة شؤم ولؤم، وذلك لأنَّ هذه الطُّيور قاتمة السَّواد وتنهش في اللحم الميِّت وتعيش على "الفطايس"..

وبدأ يُحدِّث وليد مرافقَهُ اليهودي عن والدته وحالات العوز والفقر التي عاشها أهل القرية ومعاناته في طريقهم إلى اللجوء..

يُظهر الكاتب في أحد المقاطع العلاقة الوطيدة بين مؤسَّسات الدَّولة والأنظمة العفنة في امريكا اللاتينيَّة، حيث تتزوَّج شولاميت من خوسيه البوليفي الذي أنهى تعليمه في بلادنا (لم يحدِّد الكاتبُ الكليَّةَ التي تلقَّى تعليمه بها)، ليعود إلى بوليفيا وينخرط، دون علم زوجته، في الجيش النِّظامي الدِّكتاتوريِّ هناك، الذي يصفِّي جسديًّا مناضلين من القوى التَّقدميَّة هناك، لكنَّ نهايته الموجِعة والمؤلِمة كانت على يد الثُّوَّار. وانتصر الثُّوَّار وتسلَّم سدَّة الحكم، بعد انتخابات ديمقراطيَّة، ولأوَّل مرَّة في تاريخ بوليفيا يترأس بوليفيا رجل من الهنود الحمر، إيفو موراليس من أصحاب البلاد الأصليِّين..

وتعود زوجة خوسيه إلى البلاد لتتزوَّج من والد رعوت، وتنخرط مع رعوت في حركات السَّلام، المناهضة للإحتلال الاسرائيليِّ، حيث بدأت تتظاهر على حدود التَّماس مع قرى الضِّفَّة الغربيَّة، ضدَّ الجدار (ص 85)..

رسمت غلاف الكتاب الفنَّانة شولي تسور، حيث صوَّرت امرأة حافية القدمين على رمل شاطئ بحرٍ هائجٍ، تحلِّق في سمائه المُكفهرَّة طيور النَّورس، وتدير ظهرها للقارئ وتتأمَّل البحر والأفق، في حيرة من نفسها، مع أنَّ قدميْها الحافيتين على الأرض، أهي حزينة لوضعها أم أنَّها تفتِّش عن أملٍ يأتيها من بعيد، لا تدري ماذا تفعل، تفكِّر بالذين سكنوا هذه الأرض وهم الآن في الشَّتات، تحت رحمة الزَّمن والرَّحيم، تنتظر عودة فاطمة ووليد أم تنتظر رجوع حسن عمري عبر البحر، كي لا يتعرَّض للمهانة التي يجدها من شرطة المطار، وتتأمَّل الأفق البعيد، حيث يُعانق البحرُ السَّماءَ في قبلة مستقيمة، تضعُ الحدَّ لهما ولا تدعُ للتَّقارب بينهما أنْ يكونَ أكثر، هل تَعِدُ فاطمةَ ووليدَها وليد وأهل هذه البلاد بمستقبل أفضل أم تَعُدُّ لهما مستقبلاً يبقى غامضًا "إلى دهر الدَّاهرين"..آهٍ من الغامض وآهٍ من الآت..

إلى الكاتب مائير ريفكين، النَّابغة، الذي بدأ يكتب رواياته في السَّبعينات من عمره، أقول إنَّ نهاية الصِّراع معروفة وهي الطَّريق التي سِرْتَ على خُطاها الحثيثة جنبًا إلى جنب، عربًا ويهودًا، أنتَ ورفيقكَ ابا خالد، والدي، والرِّفاق عبَّاس زين الدِّين ويوخيفيد وبنيامين غونين وزوزو ومالكا ريفكين وفؤاد وشفيق المعلِّم (عودة) وسارة فايزن وفيكتور رزق ولينا لوباطا وسامي الياس عبده وأهارون بيسح ويتسحاق شختمان وبنيامين لوسيَّا وتسفي دروكمان وديب عابدي وزاهي كركبي ويوسي وغيرهم من رفاق الشَّبيبة الشُّيوعيَّة في خمسينات وستِّينات

القرن الماضي. 

بقي أن أذكر، أنَّ هذا الكتاب صدرَ حديثًا، عن دار النَّشر "بات أور" ولم يُحتفَى بالاصدار بعد، حيث أنَّه من المخطَّط أن يكون حفل التَّوقيع على هذا الإصدار في منتصف الشَّهر القادم..

مائير ريفكين هو من قُدامى رفاق الشَّبيبة الشُّيوعيَّة في حيفا، القياديِّين، ما زال يحمل في روحه التَّآخي اليهوديِّ العربيِّ الحقيقي، وما فتئ يُناصر الحقَّ الفلسطينيَّ في العيش المشرِّف والمستقلِّ، فوق تراب وطنه، إنَّه رجل سلام بامتياز..

"نساء المدِّ والجزر" هو كتاب جدير بالقراءة..

Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت