X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
19/10/2011 - 01:06:32 pm
البحرُ ... نعمةٌ ونقمةٌ بقلم جاسر الياس داود
موقع الغزال

فتاة في مقتبل العمر تشاهد شمس الأصيل بأشعتها الحزينة وباصفرارها الباهت كصفرة المريض،تضرب برجليها الكثبان الرملية وهي تردّد: متى أعود لأجلس فوق رمال هذا الشاطىء الجميل؟!!

أُنظُر يا قلبي كيف يعانق جبل الكرمل الأخضر بشجره وشجيراته خليج حيفا الذي يحتضنه،ليغفو بمياهه الهادئة كالطفل في حضن أمّه الحنون.تُمعن النظر بعينيها الدابلتين في الأفق البعيد،ماذا يخبىء لها ولأبناء شعبها في بلدتها التي تعشقها كثيراً؟

ولا تملّ من مشاهدة مناظرها الخلابة من سهل وجبل وشاطىء وحارات وشوارع وأبنية،بالرغم من أنها قبل سنتين كانت تعيش مع عائلتها في قرية من قرى الجليل. كل هذه الأمور تمر أمام ناظرها وكأنها تشاهد أفلام متحركة بسرعة ولا تعرف ما نهاية هذه الأفلام،لأنها لم تجد بعد جواباً للسؤال المحيّر والذي يجول كثيراً في أفكارها وتفكيرها،ماذا يخبىء لنا المستقبل؟

سقطت الشمس في البحر، كما كانت تسمع أترابها من الأطفال يقولون عن غياب الشمس،لتعود الى بيتها القريب من هذا الشاطىء،ولم تحصل على الجواب بعد.

تعود الى البيت فترى جيران أهلها متجمعين في ساحة البيت،هرج ومرج وحديث هنا وهناك،فتسأل والدتها عن هذا التجمّع والهرج والمرج،فتعلمها الوالدة بأن المناوشات قد بدأت في حيفا بين العرب واليهود.لم تفهم الفتاة الصغيرة كنه هذه المقولة،فسألت الوالدة مرة أخرى:ماذا تعنين يا ماما بالمناوشات؟

فأجابت الوالدة باختصاروبنبرة وعصبية:المناوشات يا بنتي هي الخلافات والقتال.

فتساءلت الفتاة:على ماذا يختلفون؟!! فجيراننا دار عمنا يتسحاق قاعدين هون معنا.

يا بنتي تِشِغْليش بالِك بهالموضوع،بُكرة بتهدأ الأمور وبترجع الحياة عادة وزيادة.

فجأة والحديث يدور من واحد لآخر،وأحياناً تسمع عدداً من الأصوات ولا تفهم شيئاً مما يقولونه،دخل أحد الأقارب وصاح: سمعتو،احتل جيش اليهود بيت النجّادة (النجادي- هو مقر القيادة العربية في حيفا وجيشها) وسْمِعِت بأن كتيرين من الحيفاوية آعدين بتركوا البلد،وفلان وفلان وفلان سكّروا بيوتهم وراحوا عَ المينا.

لم تتخيل هذه الفتاة بأن الشاطىء الذي كانت تجلس فوق رماله قبل قليل،سيكون بمثابة الجسر الذي ستمرّ فوقه هي وعائلتها الى رحلة مجهولة عبر هذا البحر الواسع.

بدأت تصل الى سماع أهلها وجيرانهم قصص الأحداث الدامية في حيفا،فخاف والدها كالكثيرين من أهل المدينة العرب،وفكّر بترك المدينة ،فمدينة حيفا كانت محطة عمل فقط لا تربطه بها أية علاقة،لا كإبنته التي تعلّقت بها كما يتعلق الوليد بوالدته.

كثرة الأحداث وسماع روايات عديدة ومختلفة،أدخلت الرعب الى قلب والد الفتاة، الذي قرّر الهروب عبر البحر الى بلاد أخرى،بدو ينفد بريشو هو وعيلتو(باللغة الشعبية) وكان قد سبقه الكثيرون من سكان المدينة العرب،يهربون الى أماكن وهم يجهلون مصيرهم هناك.

حزنت الفتاة كثيراً لأنها ستفارق هذه المدينة الى عالم مجهول،ولكن يقول المثل:"مِين جَبَرَك عَ المُر إلا الأمَر مِنّو."

ركبت السفينة مع بقية الراحلين أو الهاربين قسراً خوفاً على حياتهم من نتائج المناوشات والقتال في المدينة،ولم يأخذوا غير المتاع البسيط والقليل،فخوفهم للتعرض للخطر أجبرهم على الاسراع في الخروج من بيوتهم،والتوجه الى الميناء وركوب سفينة يجهلون مسار سيرها والجهة المتجهة اليها.

عاشت هذه الفتاة رحلة صعبة،فهناك في قريتها ذكريات الطفولة التي لا تمحى من الفكر أو الذهن،وهناك ذكريات لأيام سعيدة قضتها في مدينة الكرمل،التي حلمت أن تعيش فيها مدى الأيام،فهي كعائلتها تجهل الجهة أو البلاد المتجهين اليها. 

بعد أيام طويلة من رحلة العذاب هذه،رست السفينة على شاطىء إحدى دول أمريكا اللاتينية،لتحط هذه العائلة رحالها في احدى مدنها مثلها مثل أغلب المهاجرين الذين اشتركوا في رحلة العذاب هذه.وبعد عدة أشهر بدأ الوالد بالعمل.لم تكن الدراسة سهلة بالنسبة للفتاة،فهي تجهل لغة البلاد الجديدة كما وتجهل ثقافة شعبها وحضارته وعاداته.

تمرّ الأيام وتكبر الفتاة لتلتحق بالجامعة،فتختار موضوع التاريخ ويكون اختصاصها في الدراسات العليا تاريخ الشرق الأوسط،وبالتحديد تاريخ الأراضي المقدسة،كي تبقى المنطقة التي تركتها هي وعائلتها عالقة في ذهنها وماثلة أمام عينيها.تدرس وتنجح، وتصبح هذه الفتاة التي كبرت مع الأيام سيدة بيت وأم أولاد،ومحاضرة في إحدى الجامعات،وكانت تفرح وتشعر بسعادة لا توصف عندما تتحدث عن الأراضي المقدسة في محاضراتها بالجامعة أو في الندوات المختلفة،حتى أن طلابها شعروا بهذا الاحساس والحنين والشوق عند تدريسها لهم،فكانوا يقدّرون هذا ويحترمون مشاعرها.

لهذا صممت أن تُخرج هذه المشاعر والحنين الى حيّز التنفيذ،فاختارت موضوع بحث له علاقة بالأراضي المقدسة،وبالتحديد مدينة حيفا،فقررت إعداد دراسة عن تاريخ هذه المدينة قبل النكبة،فكم كانت سعيدة مع نفسها لأنها ستعيد بعض اللحظات من حياتها في مدينة الكرمل.

بدأت بجمع المصادر والبحث والتنقيب فيها،ولكنها رأتْ بأن هذا العمل لا يكتمل إلا بالوصول الى مدينة الكرمل،والبحث هناك عن وثائق ومصادر توثق الأوضاع بالمدينة قبل النكبة،فقررت السفر في عطلة الصيف الى حيفا.فأخذت بترتيب أفكارها والنقاط التي يجب البحث عنها ،وهنا تذكرت أقوال عمِّها عن رجل من آل طوبي من سكان حيفا،كان يصيح بالسكان العرب في حي النسناس وغيره من الأحياء العربية،ألاّ يتركوا بيوتهم وعليهم البقاء في المدينة،لأن الهروب وترك البيوت فيه خطر على كيانهم وحقهم في البقاء في مدينتهم والمحافظة على أملاكهم.

كان اسمه في رأس اللائحة للشخصيات التي ستقابلهم،وكتبت اسمه بالبنط العريض:الشيوعي المخضرم الرفيق توفيق طوبي - أبو الياس-.كما وتذكرت بعض أبيات للشاعر الفلسطيني جورج نجيب خليل(إبن عبلين) يتغنى فيها بجبل الكرمل في قصيدته "جبل الكرمل الأشم":

 

بوركتَ يا رمزَ الجمال وشارةَ الحسنِ البديعْ

وبقيتَ مزدهراً بحلَّتِكَ البهيةِ في الربيعْ

أظهرتَ لي كلَّ الوضاعةِ أيها الجبل الرفيعْ 

 

كما وتذكرت أبياته التي تغنى فيها بالمدينة الغالية على قلبها، وهي:

 

ماذا أقول وقد عقدتِ لساني            وسحرتِني بجمالِكِ الفتّان

(حيفا)! حباك الله سعدا خالدا           فاليكِ من قلبي أحرّ التهاني

قسما بسحركِ انني رمزي الوفا       والصدق والاخلاص، ذلك شاني

ما خنت عهد أحبتي طول المدى       واذا شككتِ فسائلي خلاني

فأنا خليلك، ثم انتِ بمهجتي             دنيايَ، ديني، مبدأي، ايماني

  

 وتذكرت أيضاً ابياتأ للشاعر الفلسطيني ابن البروة محمود درويش،حين خاطب الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان بعد لقائه وسميح القاسم الشاعر الفلسطيني (ابن الرامة)بها على سفح الكرمل:

 

نحن في حل من التذكار

فالكرمل فينا

وعلى أهدابنا عشب الجليل

لا تقولي:ليتنا نركض كالنهر اليها

لا تقولي!

نحن في لحم بلادي،هي فينا" 

                                                                       عبلين      

Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت