X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أدب وشعر
اضف تعقيب
29/10/2011 - 09:30:40 pm
جليليات (10) المُشَرَّدَة بقلم جاسر الياس داود
موقع الغزال

 

دبَّ الهلع والخوف في قلوبهم،وسادت الفوضى في صفوف سكان القرية الوادعة،عندما سمعوا ناطور القرية يصيح:الجيش أجا، أجا الجيش.

سمع السكان أزيز الرصاص وصوت المدافع فخافوا،وأخذوا بالاستعداد للرحيل وترك البلدة قبل وصول الجيش اليها،بعد أن سمعوا بأن الجيش قد احتلّ العديد من البلدات العربية،وأن هناك قتلى وجرحى بين سكان هذه البلدات.

لم تدرِ الأم ما تفعل! زوجها في البستان يعمل ويتفقد مزروعاته،ولم يعُدْ بعد. بنتاها وابنها يصرخون خوفاً لأن والدهم ليس معهم ويخافون أن يكون قد حدث له أو أصابه مكروه،والأم حائرة بين مشاعرها التي تكبتها في داخلها خوفاً من زيادة الرعب في قلوب الأولاد،وبين تدبّر أمور عائلتها،فهي أصبحت الآن تقوم بدور الأب والأم معاً.

ماما وين بابا؟

صرخت الابنة الكبرى والتي لم تتجاوز العاشرة من عمرها،في الوقت الذي فيه استمر الأولاد بالصراخ والبكاء،فأخذت الأم تهدىء من روعهم،ولكن أزيز الرصاص وصوت المدافع كالرعد يزداد شيئاً فشيئاً،فأخذ سكان البلدة بالخروج منها لا يحملون إلاّ القليل من المتاع، لأنهم لم يفكروا ولم يخطر ببالهم بأن هذا الهروب القسري سيكون للكثيرين منهم ترك الديار واللجوء الى مخيمات اللاجئين واللا عودة الى هذه الديار.

أما الأم فاحتارت في أمرها وأمر أولادها،وتساءلت مع نفسها إذا بقيت مع أولادها ماذا سيكون مصيرهم أمام هذا الجيش الذي همّه احتلال ما يستطيع من أراضي هذه البلاد،وإن أصابهم أي مكروه -لا سمح الله- عندها تقع اللائمة عليها.وإن لم تنتظر زوجها حتى يعود من البستان،فربما لن تراه الى الأبد اذا تشتتوا في بلاد الغربة.

كل هذه الأفكار تواردت بسرعة في ذهنها،ثم قررت كما فعل الكثيرون من أبناء بلدتها وهو الخروج والذهاب معهم الى الجهة التي يتوجهون اليها.

سارت مسافة غير طويلة باتجاه حدود دولة عربية،إذ كانت قريتهم قريبة من تلك البلاد،وبعد وقت من الزمن حدث ما لم تُحمد عواقبه،بدأ الرصاص يتطاير في الجو والجمع لا يعرف من أين يأتي هذا،فأصابهم الهلع وأخذ الجميع يركضون في كل الاتجاهات،أما الابنة الكبرى وكانت تدعى نادرة فلم تركض بالاتجاه الذي ركضت فيه الأم مع ولديها الابنة والابن،بل هربت بالاتجاه المعاكس وهو التوجه الى الحدود.  

أما الأم فعادت أدراجها وهي لا تعرف ما هي الجهة التي تسير فيها والى أين تؤدي بها وبولديها،وكانت تصرخ:نادرة يا نادرة يا بنتي وين انتِ؟ كانت تصرخ وتنظر الى كل الاتجاهات، وهي تدور حول نفسها وفوق كتفها تحمل ابنها الصغير،وبيدها الأخرى تمسك بأبنتها. استمرت بالصراخ تنادي على ابنتها نادرة،تسأل مَنْ تصادفه من الذين ساروا معها بالاتجاه الذي تسير فيه،والجميع يجيبونها بنفس الجواب لم نرها.

ماذا تفعل والخوف يقطع قلبها من صوت وابل الرصاص الذي يتطاير هنا وهناك؟!

وفي نفس الوقت خائفة على ابنتها نادرة من أن يصيبها الرصاص،وإذ بصوت يصرخ عليها:يالله روحي معنا بهذا الاتجاه،وإذ به صوت زوجها،فقالت له:أين نادرة؟

فأجابها وهو يحاول أن يهدىء من روعها:لا بدَّ أن تأتي قريباً وأعدك أن نجدها بسرعة.

ساروا وعادوا أدراجهم بإتجاه معاكس لاتجاه الحدود،حتى وصلوا الى بلدة واحتموا بها. أما نادرة فبقيت تركض مع الذين ركضوا باتجاه الحدود،وهي تلتفت الى الخلف كلما تعبت من الركض،وتنظر والدموع تنهمر بغزارة على خديها الورديتين وهي تصرخ:أمي أين أنتِ؟!

وإذ بيدٍ تشدها الى الأمام ويصرخ بها:أسرعي ستأتي أمك فهي وراؤنا،تحدق نظرها الى الخلف كلما سنحت لها الفرصة علّها ترى أمها وأخويها.

سارت نادرة مع جارهم الذي مسكها بيدها وهو يسرع في المشي خوفاً من الرصاص،ثم تلتفت الى الوراء وهي تقول:أين أمي؟ والجار يحاول تهدئة روعها بقوله:ستأتي فهي وراؤنا،ولم يكن يعلم بأن الأم وولديها قد عادوا مع زوجها. 

تعبت نادرة من المشي فحملها الجار فوق ظهره بالرغم من تعبه هو ايضاً،حتى وصلوا الى بلاد غريبة لا يعرفون بها أحداً.باتوا ليلة في بلدة كان صاحب البيت كريماً،فآوهم في غرفة من غرف بيته الواسع وقدّم لهم الطعام،ونام الجار وعائلته وأخوه وعائلته ونادرة.

نامي يا ابنتي نادرة،فغداً سنبحث عن أمك واخوتك،هذا ما قالته االجارة،لكن نادرة بقيت تجهش بالبكاء بين الحين والآخر،وتفزع من نومها وهي تصرخ أمي أمي.

لم تنم الجارة إذ بقيت بجانب نادرة تهدىء من روعها وهي قائلة ما قاله قبلها الزوج:غداً سنبحث عن الوالدة واخوتك فنامي يا عزيزتي،فاننا لا نعلم هل سنبقى هنا أم سنتوجه الى مكان آخر.

كانت زوجة الجار الحنونة تداعب شعرات نادرة وتلاطفها،فشعرت عندها نادرة بالاطمئنان،لأن والدتها كانت حنونة عليها وعلى اخوتها، وكانت تتحدث معها قبل النوم وهي تداعب شعرها وتلاطفها،وترسم لها غداً مشرقاً وهي تزرع الأمل والاطمئنان في نفس طفلتها.

بقيت نادرة مع جيرانها عدة أيام في بيت الرجل المضياف،ثم توجهوا الى بلدات أخرى حتى حطوا الرحال في بلدة،بعد هذا عرفوا بأنهم في بلاد الشام.الانزعاج والخوف ما زالا يرافقان نادرة في يومها وليلها لعدم ملاقاة والدتها وأخويها،والجارة تحاول دائماً طَمأنتها قائلة:سنعود قريباً الى بلادنا ،في الوقت الذي فيه لم تعرف الجارة بأن هذا حلم لن يتحقق.

كبرت نادرة وهي تنتظر الوالدة والاخوة،أما عائلة الجار فقد اهتمت بها كاهتمامها بأولادها،فقد علّموها حتى حصلت على الشهادة الجامعية وأصبحت طبيبة ناجحة في عملها.

تنقّلت الطبيبة نادرة بحكم عملها من مكان الى آخر،وفي نفس الوقت كانت تزور المخيمات الفلسطينية كلما سنحت لها الفرصة،تبحث عن الوالدة واخوتها،لم يعرف اليأس مكاناً في قلبها ولم تتعب بل صمّمت على أن تجدهم مهما كلفها هذا العمل من وقت وجهدٍ.

في يوم من الأيام طلبت من زوجها التوجه الى لبنان،بعد أن بحثت في كل المخيمات الفلسطينية في بلاد الشام ولم تجد عائلتها.

وافق زوجها من منطلق لمّ الشمل كي ترتاح زوجته نفسياً،لأن هذه المشكلة تزعجه أيضاً،وهو خائف على مستقبل عائلته اذا بقيت الزوجة منزعجة من عدم ايجاد عائلتها.وأخذ يشعر بصراع نفسي،فهو من جهة يحب ويحترم مشاعر البنوة عند زوجته ويخاف على مستقبل عائلته،ومن جهة أخرى اذا رفض لها هذا الطلب وعائلتها موجودة في لبنان،فانه بهذا يكون قد منع لمّ الشمل بل أكثر من هذا يكون قد فرَّق بين أفراد عائلة الزوجة،فكيف له فعل هذا وهو الذي يخاف على مستقبل عائلته؟!!!

سافرت نادرة وزوجها وطفلهما الى لبنان فهي تعمل طبيبة أما زوجها فهو رجل أعمال.بعد عملها بمهنتها وفي العطل الأسبوعية كانت تتوجه الى المخيمات الفلسطينية باحثة عن عائلتها،وهي لا تعرف الكلل والتعب،لأنها متشوقة لرؤية وجه والدتها الحنونة واخوتها اللذين تحبهما كثيراً،لكن كل محاولاتها بالعثور عليهم باءت بالفشل.

وبعد مدة من العمل ومن البحث عن العائلة بدون نتيجة،طلب الزوج منها العودة الى بلاد الشام فلم ترفض واستسلمت للقدر،بعد أن بحثت في كل مكان تواجد فيه أبناء شعبها العربي الفلسطيني.

لم تشعر نادرة بتاتاً بتأنيب الضمير بعد هذا البحث والتفتيش،وعادت مع زوجها لأن عمله في بلاد الشام أفضل من هنا.

عادت أدراجها مع زوجها الى بلاد الشام ولم تعرف شيئاً عن أفراد عائلتها،أهُم على قيد الحياة؟ أو ان رصاص الجيش استقرّ في أجسادهم فاستشهدوا؟!!!

كل هذه الأفكار والتخوف منها بقي يلاحقها في حياتها وهي لا حول ولا قوة ،لا تعرف ما تفعل!!

  

                                                                                    عبلين 
Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت