[مقتطَفات من كلمات عرافة شَرُفتُ بها، في الاحتفال بتخريج الرعيل الثلاثين من طلبة مدرسة مار إلياس الثانويّة في عبلّين (في 27.6.2013). لهم جميعًا تهانينا، ولسائر زملائهم الخرّيجين الداخلين إلى حياة جديدة نتمنّاها لهم ثريّة بهيّة]

مساؤكم خير. لقاؤكم نور، نور وفرح.

أهلاً بكم جميعًا في جبل النور، في المدرسة التي ما انفكّت تساهم في صناعة الغد.

طَوال ثلاثين من الأعوام، لم ينقطع البذل والعطاء. ثلاثة عقود، ونحن نقود ونجود. وفي نهاية كلّ عام، نجتمع كما الآن، نبارك ونشارك، نودّع بقلبٍ دامع، وعقلٍ دافع، وإيمانٍ ساطع؛ إيمانٍ بأنّ الخير باقٍ ما بقيَ الخيّرون وصُنّاع الخير، وبأنّ النور سيسطع دومًا في جبل النور. طلاّب جبل النور خرّيجو الرعيل الثلاثين سيدخلون إلى هنا بعد لحظات. وقوفًا مصفّقين جميعًا سنستقبلهم.

ادخلوا، أيّها الأحبّاء. ادخُلوا، وأَدخِلوا إلى قلوبنا البهجة والفرح.

* * * * *

على أنغام النشيد المحبَّب، "موطني"، النشيد الذي فضّلناه على سواه حتّى الآن في معظم حفلات تخريج طلبة ثانويّة مار إلياس... على أنغام هذا النشيد العذب الذي نظمه قبل ما يربو على السبعين عامًا النابلسيُّ الجميل إبراهيم طوقان... على أنغامه دخلتم مبتهجين مبهِجين. كلماته هتفت مذكِّرةً أنّنا، قبل أن نكون أبناء لطوائف وعائلات وحارات وبلدات، نحن أبناء أرض ووطن.

* * * * *

هل سنكتفي بتحصيل العلم؟

يا لَتَعسنا وشقاءِ مجتمعنا إن كنّا سنكتفي بالحصول على شهادات أكاديميّة!

في عصرٍ كثرت فيه المعلومات وقلّت المعرفة، بحاجة نحن إلى المزيد ممّن يقودون ويحرصون على بناء الإنسان والإنسانيّة. نتطوّر فتتطوّر بلداتنا. نتقدّم فيتقدّم مجتمعنا... نتألّق فيتألّق الشعب الذي يحلم بالشمس وبالفجر.

أيّها الأحبّاء... هل نقدّم لكم نصائح؟ بضاعة كاسدة هي النصائح (على حدّ تعبير أحدهم)؛ وذلك أنّ المعروض منها أكثر بكثير من المطلوب. أظنّكم قد ضقتم ذرعًا بالنصائح. دعونا نستبدلها بأمنيات...

من أمنياتنا، أيّها الأحبّاء، أن تخدموا كي تكونوا عظماء.

من أمنياتنا ألاّ ينسى خرّيجونا مجتمعهم وشعبهم ووطنهم.

من أمنياتنا ألاّ يُشِـيع قادةُ المستقبَل اليأسَ في الناس، حين تتكشّف لهم وجوه الواقع الرديئة.

من أمنياتنا كذلك ألاّ تستهينوا، أيّها الأعزّاء، بالمهن. في هذا، ليتكم تتذكّرون ما يقوله الإيرلنديّ الظريف برنارد شو: "لا سفاهة في المهن؛ وإنّما السفاهة في الأشخاص". الظريف نفسه يقول: "العربة الفارغة أكثر جلبةً من العربة الممتلئة". ونحن نريدكم ممتلئين ممتلكين لِما هو مفيد ونافع. نريدكم ممّن يعملون بهدوء... بهدوء، دون صخب، ودون ضجيج، ودون تظاهر ولا حبّ في الظهور. أنتم، أنتم ستصنعون المهن، أكثر ممّا ستصنعكم هي.

من أمنياتنا أن تنحازوا إلى الحقّ، وإلى كلّ ما هو خيّر ونيّر.

ومن أمنياتنا الخاصّة والحميميّة أن تغفروا لنا، كما نغفر نحن... أن تصفحوا عنّا إن كنّا قد أسأنا أو قسونا أحيانًا. الوالد يقسو أحيانًا، والوالدة كذلك. شُكّوا في أمور كثيرة. لا بأس، فعلى الشكّ يقوم العلم والمعرفة. شكِّكوا، لكن لا تجعلَنّكم قسوتنا تشكّون في حبّنا لكم. ليتكم تدركون مقادير حبّنا لكم، أيّها المحبوبون! ليت المحبوبين محبّين يكونون!

* * * * *

قبل سبعة أعوام، في العام ألفين وستّة، خرّجنا الرعيل الثالث والعشرين. من بين طلبته خرّيجة من فرع الفيزياء والكيمياء محبوبةٌ متألّقة نعتزّ بها، التحقت بالجامعة العبريّة في القدس، حيث درست الحقوق وتخرّجتْ في العام السابق. إنّها خرّيجتنا وصديقتنا المحامية فاطمة رائد الصحّ ابنة عرّابة البطّوف...

        من الأمور التي يشاد بها، في حقّ فاطمة وهي على مقاعد الدراسة في ثانويّة مار الياس، أنّها كانت طالبة منصفة. تعاملت مع كلّ المواضيع التدريسيّة بحرص واحترام وإنصاف نموذجيّ. اهتمامها وتفوّقها تجاوزا موضوعَيِ التخصُّص. في موضوع اللغة العربيّة، أشهد أنّ فاطمة (في حصص النحو على وجه الخصوص) كثيرًا ما دفعتني أسئلتُها العميقة الدقيقة اللمّاحة الحلوة "المتعِبة" إلى تناول شؤون لغويّة كنت قد خطّطتُ سلفًا لعدم الخوض فيها (لِما تنطوي عليه من تصعيب وتعقيد). أسئلتها "المتعِبة" كانت وليدة متابعتها الكاملة للشرح وانتباهها إلى كلّ تفصيل وتفصيل. كانت أسئلتك "المتعِبة" تريحني وتنشيني، أيّتها العزيزة فاطمة.

        فاطمة الصحّ استُدعِـيَتْ لتشاركنا عرافة احتفال اليوم، على نحو ما انتهجنا في احتفالات التخرّج في السنوات الأخيرة، اعتزازًا منّا بخرّيجينا وإعزازًا لهم وشوقًا. في مقْبل السنوات، سيشاركنا بعض خرّيجي الرعيل الثلاثين في عَرافة الاحتفالات المقبلة. في شوقٍ نحْن إلى تلك اللحظات...

* * * * *

انتهى احتفالنا... شكرًا لكم جميعًا -حاضرين ومحضِّرين...

كلُّ عام والخير والنور يغمر جبل النور...

عـبـلّـيـن – 27.6.2013