X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
29/06/2013 - 07:29:41 am
حول هدم المنازل المحامي علي حيدر

ليس هنالك أقرب إلى موت إنسان من هدم بيته أو منزله، عنوة، وإخراجه منه مظلوماً مقهوراً ومكسوراً. والأنكى والأصعب من ذلك أن تقوم الدولة ونظامها القضائي والقانوني الجائر والمتعنت بإضفاء الشرعية على عملية الهدم. وقد صدق الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش حين قال: "البيوتُ تُقتَل كما تُقتَل سكانُها".

لقد انقضَّت الشرطة، بعد منتصف ليل أمس الأول، على بيت عائلة الحاج سعيد أبو شرقية، والتي تربطني بها معرفة وطيدة منذ سنوات، وهي من سكان قرية عرعرة في المثلث، حيث  قامتقوى الشرطة بإخراج الوالدَين المسنَّين والأبناء والأطفال من البيت الذي بُني على أرض العائلة منذ حوالي الخمسة وأربعين عاماً، وهدمت البيت بشكل كامل، مما جعله كومة من الركام. هذا بعد أن خاضتالعائلة ، على مدار السنوات، نضالاً مستمراً أمام المحاكم ومؤسسات التخطيط والتنظيم للمصادقة على البيت والحصول على ترخيص، ودفعت الغرامات الكثيرة،كما وسُجِن الأب سبع سنوات لرفضه هدم بيته بيده.

إن بيت عائلة أبو شرقية هو بيت قديم، يقع على الشارع الرئيسي في وادي عارة، في موقع استراتيجي، وهو بيت امتاز بجمالية معمارية عربية فلسطينية، ولعملية هدمه دلالات ومعانٍ كثيرة ومتعددة. من نافلة القول بأنه في الوقت الذي كانت عائلة أبو شرقية تناضل للحفاظ على بيتها،قامت الدولة ببناء العديد من المستوطنات بمقربة من المنزل، لليهود فقط، ومن المُخطَّط إقامة مدينة "حورشيم"، لليهود المتزمتين، على مقربة من ركام البيت. مما يعزز الأمر بأن سياسة الحكومة الواضحة هي هدم بيوت العرب والسيطرة على ما تبقى من أراضيهم، وبناء بيوت لليهود والاهتمام برفاهيتهم.

من جهة أخرى فإن عملية الهدم، وبالرغم من كونها قانونية، بحسب القانون الإسرائيلي الذي يخدم الأغلبية اليهودية، إلا أنها تنعدم لأيٍّ من معايير الأخلاقية، بل وتتناقض وتتنافى وحرية الإنسان وحقه الأساسيّ في امتلاك مأوىً يأويه، يضمن كرامته وأمنه، كإنسان، كما يتنافى وكل الأعراف والمواثيق الدولية على حدٍّ سواء.

كما هو معروف للجميع، فإن هذا البيت ليس البيت الأول الذي يُهدم في السنوات الاخيرة في المجتمع الفلسطيني (قريتي العراقيب وعتّير في النقب أصبحتا رمزاً للصمود)، ولكن لتوقيت هدمه وأسلوب الهدم، ولموقع البيت وتاريخيته دلالات رمزية وأبعاد عميقة، ذات مؤشرات واضحة حول ملامح المرحلة القادمة، وخصوصاً أن هنالك الآلاف من البيوت العربية المهددة بالهدم، والتي أُرغِم أصحابها على دفع الغرامات الكبيرة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

إن عملية الهدم أتت في سياق سياسيّ مضطرب ومتوتر بين الدولة والمجتمع الفلسطيني في الداخل، على خلفية المصادقة على مخطط براڤر، الهادف إلى مصادرة واقتلاع المجتمع العربي في النقب والسيطرة على اراضيه وتهويدها، أضف إلى ذلك، فإن البلاد تشهد أعمالاً عنصرية متواترة يقوم بها الإرهابيون المنتمون إلى منظمة (تاچ محير – دفع الثمن) العنصرية من اعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية وكتابة الشعارات العنصرية وحرق السيارات والاعتداء على الممتلكات والناس، ناهيك عن إحياء مشاريع القوانين العنصرية ومحاولة المصادقة عليها في الكنيست، وبالموازاة فإن عمليات هدم المنازل مستمرة في النقب، الجليل، المثلث ومدن الساحل، وكان آخرها صباح اليوم إخلاء أهالي عتّير في النقب من خيامهم.

إن هذه السياسة التي تنتهجها الحكومة، والقاضية إلى السيطرة على الأرض إلى جانب تقليل نسبة العرب في البلاد والتضييق عليهم والمسّ بشرعية وجودهم، تخلق واقعاً مركباً ومعقداً،وتحدّيات جديدة تحتاج إلى قيادة عربية جماعية موحدة وقادرة على العمل الجماعي والمشترك، تعمل من أجل التغيير المنشود بعزم ومثابرة، من أجل الصمود والتحدي وتحقيق النتائج العملية والملموسة ونيل الحقوق الكاملة التي يطمح إليها المجتمع العربي. كما يترتب على القيادة في جميع المستويات أن تفكر بشكل معمّق وإستراتيجي وأن تراجع وسائل النضال التي استُخدِمت واستُنفذِت، لتستحدث وسائل وآليات نضال جديدة وناجعة في المرحلة الراهنة وفي صُلبها الاعتماد على الذات الجماعية، صاحبة الرؤية والأهداف الواضحة.

إن قضية هدم المنازل تستوجب وضع خطة مواجهة استراتيجية تستند إلى ركيزتين هما: منع الهدم وإعادة البناء. لقد أحسن رؤساء المجالس في منطقة وادي عارة صُنعاً عندما تنادَوا وأعلنوا الإضراب الشامل في المنطقة، وبمشاركة أعضاء البرلمان وبعض ممثلي المجتمع المدني والأهالي، الذين اعتصموا على الشارع الرئيسي، وأعلنوا الاستمرار في النضال في الأيام القادمة. ومع ذلك، المطلوب من قيادات المجتمع العربي القطرية العمل في عدة مستويات منها:

1.    إقامة هيئة مختصين وخبراء ومنتخبين لحماية الأرض والمسكن، حيث تضع خطة إستراتيجية لمواجهة قضية هدم المنازل وحماية الأرض.

2.    إقامة لجان شعبية محلية ولوائية تمتاز بسرعة الحركة والمرونة بالعمل، لتتصدى لعمليات الهدم وإعادة الإعمار.

3.    إقامة صندوق وطني عربي يُسمى "صندوق الأرض والمسكن" يعمل على مساعدة العائلات المنكوبة، ويساهم في وضع البرامج والفعاليات والنشاطات لحماية الأرض والمسكن.

4.    توسيع التكافل والتضامن الاجتماعي بين أبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل وخصوصاً فيما يتعلق بمساندة الأهل في النقب ومنع عمليات الهدم.

5.    العمل على التواصل مع السفراء ودعوتهم لزيارة البيوت المهدمة والأراضي المهددة بالمصادرة، وإرسال وفد عربي لمؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

6.    توسيع عملية الاحتجاج والمقاومة عن طريق إجراء التظاهرات والاعتصامات بشكل مستمر، وبذلك تُحقَّق عملية التوعية والتعبئة الجماهيرية. كما يجب الإعلان عن إضراب شامل وجدّي ذي تأثير على جميع مرافق الدولة.

7.    العمل على إقامة لجنة خبراء محليين ودوليين تستمع وتوثّق جميع قضايا الهدم والمصادرة، أسبابها، سيرورتها والمعيقات البنيوية التي تفرضها الدولة على عمليات البناء.

8.    التوجه للوزارات الحكومية ومطالبتها والضغط عليها من أجل تجميد عملية الهدم وإيجاد حلول مقبولة على المجتمع العربي. كما يترتب وضع استراتيجية إعلامية، وخصوصاً استعمال وسائل الاتصال الحديثة والشبكات الاجتماعية.

9.    وضع لافتات وملصقات وإصدار نشرات وكتيّبات باللغة العربية والعبرية وتوزيعها على مفترقات الطرق، من أجل إسماع صوتنا للمجتمع اليهودي من جهة، ومن أجل تعبئة وحشد الجماهير العربية من جهة ثانية.

10.إن الهدف الرئيسي الذي نصبوا إليه هو تغيير سياسات الحكومة وتغيير عقلية المؤسسة وتحويلها من النظر إلى العرب كأعداء يجب التضييق عليهم، إلى مواطنين متساوين، لأن الاستمرار والتصعيد من قِبَل الحكومة سوف يقود إلى مواجهة عنيفة، هنالك عناصر في الحكومة تريد استدراجنا إليها، ولذلك يترتب علينا أن نقوم بنضال منهجي ومستمر وسلمي وناجع يضمن صمودنا وحماية حقوقنا.

ومما يبعث الأمل، أن عملية الاعتصام السلمي، التي جرت ليلة أمس على شارع وادي عارة، والتي أدت إلى إغلاق الشارع من جميع الاتجاهات، قد أخذت النساء وخصوصاً المسنات، والشباب دوراً فعالاً وهاماً فيها. كما كُتبت لافتات توضح عدالة القضية ورفض المعتصمون استدراج الشرطة والقوات الخاصة لهم اتجاه العنف. ومما استحوذ على التقدير هو السماح لسيارات الأسعاف فقط بالعبور وتسهيل عبورها، وتنظيف الشارع من بقايا اللافتات، وهذا ينم عن عمق الانتماء إلى المكان. والاحتجاج الحضاري، الذي يهدف إلى النجاح في تحقيق الأهداف.

ومن الجدير بالذكر بأنه حصل نقاش ديمقراطي وحرّ في خيمة الاعتصام وتفكير جماعي أخذ الأهالي والسكان دور اللاعب المركزي فيه، وجرت عملية مساءلة للقيادات ومصارحتها في ضرورة تجديد وتغيير وتحديث وسائل النضال. لقد أصبح صيّاح الطوري وأهالي العراقيب، سعيد أبو شرقية، وأهالي قرية عتّير وغيرهم رموزاً للتحدي والاحتجاج والتمسك بالحق التاريخي.




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت