X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
26/11/2011 - 08:21:11 pm
سورية، المشبّه والمشبّه به! بقلم: مرزوق الحلبي
موقع الغزال
ماذا لو قالوا أمامك/كِ مثلا: "صحيح أن فلان اغتصب ابنته ونكل بها جنسيا وهذا فعل مُدان بكل المعايير، لكن أنا ضد محاكمته أو فرض أي عقوبة عليه لأنه كان من الرعيل الأول الذي تصدى للحكم العسكري ومن الذين واجهوا الاعتقال والتعذيب وهو يوزّع جريدة الحزب سرا"! وماذا لو سمعتَ/تِ أحدا يقول: "يا عمّي، صحيح أن رئيس المجلس نهب أموال بلده وأهدرها على همالاته، لكنه وطني أبا عن جد وكان موقفه مع الإضراب في يوم الأرض الأول، ومعروف بمناهضته للسياسة الإسرائيلية، وإن السلطة رأتها فرصة للانقضاض عليه"؟ ماذا كنا سنقول؟ سؤال جوابه غير واحد كما يبدو. وهو ما يُمكن اشتقاقه واستنتاجه من مواقف البعض من النظام السوري وجرائمه. فهناك مَن يغفر له كل شيء بحجة أنه "ممانع" أو "داعم للمقاومة".
إذا سلّمنا جدلا أن ادعاء الممانعة ودعم المقاومة صحيح ـ وهو ليس كذلك بالمطلق ـ فإن حالهم حال الذين يمسحون للرجل الأول اغتصابه لابنته ويغفرون للثاني سرقة أموال بلده. وفي الحالتين يتمحور الفاعلون في إرث مفترض للرجلين لإعفائهما من جرم ارتكباه. لكن الحاصل في الحالة السورية أن الدعوة إلى "غضّ الطرف" خطايا النظام ودمويته تتحول بلمح البصر إلى لائحة دفاع عنه! صحيح أن نظام المحاكم في الدول الديمقراطية يفسح المجال لشهادات حسن سلوك بحق كل متهم ومُجرم لكني لم أشهد شهادة كهذه تتحول إلى لائحة دفاع ثم إلى لائحة هجوم على القاضي أو المجتمع الساعي إلى مقاضاة الجاني! فقط في ثقافة معطوبة أو عاجزة عن الخروج من عنق زجاجتها يُمكننا أن نرى قيادات وحملة قلم منشغلين بتحويل لائحة الاتهام التي يرفعها الشعب السوري ضد نظام القمع والاستبداد إلى لائحة دفاع عن بشار وأبيه ورهطه وشبيحته!
إنه سؤال سياسي بامتياز مثلما هو سؤال أخلاقي بامتياز. لكن أصحاب الأخلاقيات المثقوبة ذوي المسحة الفلسفية يطالبوننا بألا نذهب مذهب الأخلاق في السياسة فنعطّل عليهم مفهوم السياسة كما بلورته الأيديولوجيات "الممانعة" أو "الثورية" التي تُجيز المشهد السوري المفتوح على مزيد من الدم. لكن، يقينا أن ما نكتبه نحن هنا وما يكشف عنه خيرة الوطنيين في سورية من تفاصيل مروّعة لن تغيّر في موقف هؤلاء. أما اعترافهم بأنهم ضد النظام فلا يعدو كونه استقامة لفظية سرعان ما يقفزون فوقها في كل الجمل التي تليها. فتضيع في التلويح بقميص أمريكا أو قميص الأنظمة العربية الموالية لها أو بالقول أن الحريات ليست القضية الوحيدة في المعادلة. أما حديثهم عن التعقيد في الحالة السورية المركبة ـ فعادة ما ينتهي إلى موقف مبتسر وفجّ أوله وآخره حرف النقاش نحو المربع المريح حيث قوى الخير وقوى الشرّ أو الأسود والأبيض، وأمريكا أساس البلاء وأن سورية بكل ما فيها ضحية مؤامرة! هكذا، يصلون براحة ضمير "ثورية" مؤداها: "نحن مع الشعب ومع النظام في وسورية ضد أمريكا"! لعبة لفظية راكموا إرثا هائلا منها في كل مرة كان عليهم أن يحسموا أمرهم حيال الرجل الذي اغتصب ابنته ورئيس السلطة المحلية الذي نهب المال العام! وقفوا الموقف نفسه رافضين تجاوز ما اعتادوه من نمط قابض لأيديولوجيا فجّة وعقيدة محنّطة كالأديان التي تعتقد أن بداياتها كانت ذروة وأنها آخذة بالتهافت منذ تلك الذروة وأن "الحنين" إلى ذاك الموهوم من عصر ذهبي يشكّل قاعدة للمقارعة والسجال في مسألة لا تحتمل كل هذا اللغو.
ليس غريبا أن تصير الوسائل غايات وأهدافا عند العقائديين العُتاة. وهو ما يحدث للثوريين العلمانيين مثلما يحدث للمتدينين السلفيين. وهو ما نراه هنا أيضا، في إصرار البعض على رؤية الأيديولوجيا أو العقيدة هدفا، و"الممانعة" الموهومة مقدّسا كأنه لا تنقصنا مقدسات متخيلة تشل العقل العربي وتحرق واحاته. ومن هنا، فهم يتطيّرون من مناقشة مهمات الدولة والغاية منها. ولشدّة إفراطهم في الأدلجة ومغالاتهم في نصب "مساطرهم" ميزانا، فإن حيوات الناس وحرياتها وحقوقها وتطلعاتها وأحلامها تصير تفاصيل غير ذات شأن في "المعادلة الكبرى" للصراع ضد الإمبريالية. وهو موقف ليس غريبا على أصحاب الأيديولوجيات والعقائد الشمولية المطلقة التي ترى الإنسان مخلوقا هشًا و"مغفلا" و"ضعيفا" ينبغي أن تفرض الدولة عليه (وعلى حياته ومماته وكيانه كله، أيضا) الوصاية التامة. أما إذا أثبت الإنسان أنه ليس على هذه الهشاشة المفترضة ولا على هذا الضعف، فإن أصحاب الأيديولوجيا تلك يلجأون إلى الدراماتيكية الخلّاقة التي تعيد إنتاج أساطير الإغريق بميديولوجيا متطورة. فيشرعون برسم ذاك الصراع السرمدي بين قوى الخير والشرّ، وحشد الناس في لجّة الصراع وتحويلهم إلى قرابين أو مشاريع قرابين لتصورات مسخت بواسطتها النازية صورة الإنسان الفرد والجماعة وتبعتها الستالينية والأنظمة التوتاليتارية كلها، غربية كانت أو عربية، إمبريالية أو "مناهضة" للإمبريالية. فقد اتضح من التجربة الحديثة أن كل الأنظمة الاستبدادية التوتاليتارية تنهل من الفكرة ذاتها ومآلها إلى المشهد ذاته. وهو، هذا الماثل أمامنا في سورية وغيرها من قيس ويمن.
لا تكون الثورية في مثل هذه الحالة اجترارا لنظريات ونماذج سقطت أو أسقطها التاريخ على نحو مدوِّ لتتشظى تحت ضربات شعوبها وعقارب الساعة. ولا تكون، أيضا، بالبقاء أسرى ثنائية متخيلة وغير واقعية، الخير والشرّ أو أمريكا والعروبة أو المؤامرة و"الممانعة" أو "دعم المقاومة" و العمالة لأمريكا"! الثورية لا تكون بالحنين غير المفهوم ولا المبرّر للحقبة الستالينية الأكثر توتاليتاريةً في تاريخ النموذج السوفييتي بل هي في الاجتهاد لرسم صورة أكثر دقة وإحكاما من المألوف واتخاذ موقف أكثر حكمة من الأيديولوجيا المتخشبة. الثورية الآن هي في العزوف عن فرض وصاية عن بُعد ـ من شارع بن غوريون في حيفا مثلا ـ على الشعب السوري وتعليمه فنون "الثورة الحقيقية" وتلقينه كلاما مكرورا أهلكه من خمسة عقود عن مؤامرة تتربّص بالوطن وعن ضرورة عدم تعطيل حالة "الممانعة" التي تمارسها شلة النظام لفظيا. الثورية، هي دعم الحالة الثورية للشعب السوري والانتصار لحراكه ضد القمع وضد وطن صار أكثر من منفى بالنسبة لهم. الثورية هي إنتاج طريقة جديدة للتعامل مع الثورة، والتحرر من إرث ماض أسقطه التاريخ لا الاقتداء بحزب شيوعي شقيق في سوريا أو غيره كل ما فعله أنه أنشأ خطابا تبريريا لعجزه وقصور نظريته وممارسته عن الإحاطة بحالة الشعب السوري وسواه! الثورية هي الكفّ عن الاستكانة إلى المفاضلة بين أمريكا وسواها، بين مؤامرة وممانعة ـ غير موجودتين أصلا وإن كانتا مشتهاتين حقا ـ والانتصار إلى الشعب السوري في تجربته خروجا من هذه الأنشوطة القاتلة نحو حريته وحياته وأحلامه. الثورية الآن أن يقف الواحد مع شعب ثائر على النظام وعلى الأيديولوجيات البائسة وعلى أحزاب وحركات ومبانِ فكرية وسلطوية ونظرية أبقته خمسة عقود تحت بساطير الأمن وأسلاك التيار الكهربائي، لا أن ينتصر لأيديولوجيا دحرجها التاريخ عن عتبته إلى فنائه الخلفي. ولن تنفع أحد بعد محاولات إعادة الشعب السوري ـ وغيره من شعوب ثائرة ـ إلى قمقمه أو إلى مساق أيديولوجي واضح المعالم أو محبب أو باعث للحنين. الثورية هي ألا تهتف كالأبله لوعي ثوري سوري كاذب من أوله إلى آخره، بل أن تفضح تزوير التاريخ وتقوض بنيان الذين يمارسونه. الثورية هي أن نعترف بحق الشعب السوري في تقرير مصيره مقابل نظامه ومقابل سواه دون شروط مسبقة ودون أن نُحدد له من هنا أجندته وتطلعاته وخياراته. الثورية الآن أن نكفّ عن اتخاذ الخيارات نيابة عن هذا الشعب مستغلّين انشغاله بقتلاه وبتفادي نهم الشبيحة في القتل والتدمير.
الثورية أن نعمل على إدانة ومعاقبة الأب الذي اغتصب ابنته ونكّل بها طيلة سنوات في بداية المقال وأن نحسب ماضيه عليه وليس له. الثورية الآن، أن نبادر نحن لمحاكمة رئيس السلطة المحلية المتلبس بجريمة إهدار المال العام على همالاته وأن نسقطه أخلاقيا وسياسيا قبل أن يُدان في المحكمة المركزية أو سواها! أمكننا أن نذهب خطوات أبعد في رحاب التشبيه اعتمادا على ما أنتجه فرويد لكن كل كلمة أخرى منا مضيعة للوقت وكل كلمة منهم سقوط مدوٍ في مهاوي التاريخ!
[email protected]



Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت