X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
12/02/2012 - 03:17:44 pm
افقي؟ ام عمودي؟ د. رفيق حاج
سلوى عثمان

تختلف شخصية الانسان "الأُحادي المعرفة" ذي الثقافة العامودية الذي يغرق عادة في التفاصيل الصغيرة وبين شخصية "متعدد المعارف" ذي الثقافة الافقية الذي يسخّر معرفته الشاملة لإنجاز اهداف عظيمة الشأن. مجتمعنا يخشى الأفقية.. لأنها تعني الاندماج والتكيف مع الغريب، أما العمودية فهي صارمة وثابتة ومستقيمة وتعيق محاولات التغيير.

 

المثل العربي يقول "أعطي الخبز لخبازه.. لو اكل نصفه" وهو يدعونا الى التوجه الى صاحب الصنعة او الخبير المختص ليخدمنا وليقضي حاجاتنا، واذا حاولنا ان نفعل ذلك بأنفسنا فستنتظرنا الخسارة والندامة. طبعا، المثل كالمثل لا يُمكن تفنيده لأنه يتمخّض عن تجربة انسانية طويلة الأمد، لكن لا يمكن التسليم بأنه صحيح في كل مكان وزمان. ان الالتزام المُفرط بهذه المقولة يثنينا عن اكتشاف مجالات ومهارات أخرى غير تلك المعدودة على مجال اختصاصنا. ان الإلمام بأكثر من مجال او مهنة يُعظّم من قدرتنا على انجاز اهدافنا ومواجهة التحديات الماثلة امامنا.

التخصّص في موضوع واحد والوصول به الى درجات مرتفعة من المهنية او المعرفة يعني "العامودية" اما الالمام المتوسط في عدة مجالات سويةً فيعني "الافقية"،  والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أي مسلك منهما هو الافضل للفرد وللمجتمع وللاقتصاد؟ وفي اية ظروف يمكن ان نفضّل هذا المسلك على ذاك؟ نحن نميل كمجتمع محافظ ان نفضّل المهنية الأُحادية على المهنية الشاملة اعتقادا منا بأن التركيز على موضوع واحد والتعمق به الى ابعد الحدود سيؤمن لنا عيشا كريما ويتيح لنا الوصول الى مراتب مهنية واجتماعية مرمموقة. وطبعا في مجتمع يعاني من سياسة التمييز العنصري ترانا نفضّل العامودية على الافقية.

في هذا الشأن تستبقني قصة الفارابي وسيف الدولة حيث قام الاخير بعقدِ مجلس للعلماء والفقهاء وطلب من كل واحد من مرتادي المجلس ان يجلس على مقعد يليق بمرتبته العلمية. عندما دخل ابو النصر الفارابي على ذاك المجلس طلب الجلوس على مقعد سيف الدولة، وإذ بحراس المللك ينقضون عليه لكن سيف الدولة اشار لهم بالعدول عن ذلك وطلب من الزائر ان يثبت جدارته لمقعده. سُئل في القواعد والنحو فأجاب واصاب، وسُئل في الكيمياء فأبدى الماما منقطع النظير, وسُئل في الطب فأجاب ببراعة متناهية. عندها أمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل من هو من أهل هذه الصناعة بأنواع الملاهي، فلم يحرّك أحدُ منهم آلته إلا وعابَهُ أبو نصر، وقال له: "أخطأت !". فقال له سيف الدولة: وهل تحسن في هذه الصنعة شيئاً؟ قال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة، وفتحها، وأخرج منها عيداناً، فركَّبها، ثم ضرب بها، فضحك كل من في المجلس، ثم فكّهَا وغيّر تركيبها، وضرب بها، فبكى كل من في المجلس، ثم فكّها وركّبها تركيباً آخر، وضرب بها فنام من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياماً وخرج. والعبرة من هذه القصة ان الالمام في عدة مواضيع يكسب صاحبه قدرات فائقة لأن تظافر المهارات في اناء واحد يقصّر الطريق للوصول الى الهدف.

تميل الجامعات والمؤسسات البحوثية اليوم الى تشجيع الأبحاث التي تدمج بين مجالات علمية واجتماعية وانسانية والى بناء مسارات تعليمية للقب الاول والثاني تضم اكثر من موضوع مثل علم النفس والتربيه او الرياضيات والفيزياء او التصميم والتكنولوجيا او الهندسة والادارة او المحاماة وادارة الاعمال من منطلق ان المواضيع العلمية والاجتماعية والانسانية تلتقي مع بعضها البعض في نقاط تماس عديدة. المفروض من الفيزيائي ان يلمّ في علم الرياضيات والكيمياء والكهرباء، والاختراعات على انواعها ما هي الا دمج لعدة علوم ومهارات معا، وهنالك ايضا حاجة الى معرفة افقية ليتمكن المبتكرون من التفاهم فيما بينهم.  لهذا السبب قامت المؤسسات الطبية باضافة "تخصص" جديد على الساحة وهو "طب العائلة" الذي يحوي تخصصات عديدة في آنِ واحد، بعد ان وصلت الى نتيجة ان التوغل في مجال واحد لا يكفي لانقاذ المريض او لعلاجه او لاستقصاء مصدرعياه،  فطبيب العيون لا يستطيع انقاذ جريح ينزف، والطبيب المختص بالأنف والأذن والحنجرة لا يستطيع ضبط ضغط الدم او السكري، وهنالك ايضا مرضى يعانون من اكثر من مرض واحد ومطلوب دمج عدة اختصاصات في مداوِ واحد لمعالجتهم, وإلا قد تتعرض حياتهم للخطر جراء سوء التفاهم بين المختصين، وكما تعرفون السجلات الطبية زاخرة بمثل تلك الحالات.

بشكل عام تختلف شخصية الانسان "احادي المعرفة" ذو الثقافة العامودية الذي يغرق عادة في التفاصيل الصغيرة والدقيقة لمهنته وبين شخصية  "متعدد المعارف" ذي الثقافة الافقية الذي يهتم اكثر بالصلة المتواجدة بين المواضيع المتعددة ويحاول تسخير ذلك لتحسين ادائه وفرص وصوله الى اهدافه. الشخصية العامودية هي شخصية محافظة ومنغلقة لا تتقن التعامل مع الآخرين الا اذا كانوا من اولاد نفس "الكار". اصحاب الشخصية العامودية يرون الدنيا اسود وابيض ولا مكان للون الرمادي. وفي اغلب الاحيان لا يجيدون التواصل مع الآخرين وان تواجدوا في اطار خارج مجالهم فيصمتون ويجلسون على جنب، وان حاولت ان تفتح امامهم أي حديث يتحول عادة الى موضوع اختصاصهم. اصحاب الشخصية العامودية يرون الامور من من زاوية واحدة وعادة يحملون آراء سياسية متطرفة. اما اصحاب الشخصية الافقية فتراهم منفتحين على من حولهم ومستعدين لخوض تجارب جديده والتعرف على الطرف الأخر، وينظرون الى الامور من اكثر من زاوية ويبادرون بمدّ ايديهم لمصافحة في اللقاءات الاجتماعية، وهذا يسهّل عليهم عملية الارتقاء في سلم المناصب الادارية والنجاح في كسب تأييد الآخرين اللذان يتطلبان المرونة والحنكة وقدرة التواصل مع الآخرين.

اعجبتني مقالة لسامية العمودي, وهي كاتبة سعودية, تقول بها " كم نحن مهووسون بالعمودية..! مجتمعنا هو مجتمع عمودي، وتقاليدنا وعاداتنا عبارة عن مجموعة من الأعمدة الثابتة.. ونجد في ثباتِ بعضها عزة وفخرًا بالهوية، وفي ثبات بعضها الآخر خوفًا من المجهول أو البديل.. إن مجتمعنا العمودي يخشى الأفقية.. لأن الأفقية قد تعني الاندماج والتكيف مع الغريب.. أما العمودية فهي صارمة.. ثابتة.. مستقيمة دون اعوجاج.. تتحدى التغيير.."




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت