X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
03/06/2020 - 11:03:00 am
بين الموت وحوار الممكن بقلم حاتم حسون- شفاعمرو

بين الموت وحوار الممكن

حاتم حسون- شفاعمرو

عندما قمت بتقديم واجب العزاء، في الخيمة المقامة بجانب كنيسة ميلاد السيدة العذراء في كفر ياسيف، كان قد توافد الآلاف من مختلف مدننا وقرانا العربية لتوديع المرحوم أيمن هاشم صفية، عن عمر ناهز التاسعة والعشرين عاماً بعد غرقه في مياه بحر عتليت.

وقد لفت نظري وأكبرت ما رأيته من تعاضد وتفاعل جماهيري بين أبناء شعبنا على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، أمام هذا الحدث الجلل والذي يحمل أبعادا إنسانية مما ساهم في التخفيف من حزن وألم العائلة، وقد تجلى ذلك في مساعي البحث عن الشاب أيمن بعد غرقه في البحر، حيث هب مئات المتطوعين من مختلف المدن والقرى دون أن يسأل أحد عن هوية المفقود أو معتقده أو ميوله، وتُوج ذلك في إقامة خيمة العزاء في ساحة الكنيسة المجاورة للمقبرة الإسلامية حيث ووري جثمان أيمن الثرى، وان دل ذلك على شيء فإنما يدل على الوحدة الفطرية والتضامن الأخوي الذي يشعر به أحدنا تجاه أخيه في البلدة أو اللغة أو الوطن، وهذا ما عشنا في كنفه لسنوات طويلة وتربينا عليه.

لكن، ومما يؤسف له، أن البعض منا بات يعز عليه أن يستمر هذا التعاضد وهذه الوحدة، فيبحث عن منغصات مصطنعة وغريبة عن تقاليدنا ومفاهيمنا، وللأسف نجد أن أولئك ينطلقون من منطلقات التعصب والانغلاق ومن مفاهيم ظلامية تحاول ان تفرض خطابها علينا في السنوات الأخيرة، متخذين من الدين ذريعة لبث سمومهم، في الوقت الذي تربينا فيه ونشأنا على ان الدين يدعو للتسامح والتقارب والتفاهم بين الشعوب والأمم، فكم بالحري بين الأقرباء والأخوة وأبناء البلد الواحد؟ ففي التعددية إثراء وجمال وعبير، وهو القائل في كتابه العزيز: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة". (سورة الأنعام 83).

لقد حاولت الأنظمة الشمولية إذابة القوميات وطمس كل معالمها وفرض ايديولوجيتها ونهج حياتها على المجتمع، إلا أن الواقع كان أقوى من كل توجه شمولي، إذ عادت وانتصرت الحركات القومية بسبب توجهها الإنساني والليبرالي.

وما يدعوني الى طرح هذا الموضوع هو ما قرأناه وسمعناه من كلام مقزز وتعقيبات مهينة، ذهبت الى حد الشتيمة والقدح سواء في المرحوم أيمن صفية، أو في الطعن بالعيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد، دون وجه حق ودون مراعاة لمشاعر الأهل وحق الجيرة والارث الحضاري الذي توارثناه وحافظنا عليه وصان وجودنا.

ان ما يثير الغرابة ان ذلك الفريق يستند فيما يذهب اليه الى تفسيرات سلبية ومسيئة، ويتجاهل الآيات والسور التي تدعو لتقبل الآخر والتقرب الى من "أقربهم مودة" والدعوة للحوار والجدال بدل التكفير وإصدار الأحكام والفتاوى المغرضة، ومثال على ذلك ما ورد في القرآن الكريم، عندما خاطب الله الرسول عليه السلام قائلا له:" فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر، ان الينا ايابهم، ثم ان علينا حسابهم"، صدق الله العظيم (سورة الغاشية 21-26). وهذا دليل واضح أنه ليس من حق الانسان أن يحاسب أخيه الانسان على ميوله وآرائه، فالحساب هو من عمل رب العالمين وليس من حق الانسان الذي يحق له مناقشة الآخر ومحاولة كسب وده وتعاطفه، وفي نهاية الأمر تقبل الآخر على ما هو عليه حتى لو كان مغايرا لنا في فكره وميوله واختياراته.   

ان وفاة الشاب الفنان أيمن صفية، جاءت لنا بعبرة ودرس لنا في الحياة، لتذكرنا بأننا شعب ما زال فيه الخير لذاته، وان الإنسانية أعلى وأسمى من أي انتماء فئوي، وأن الدين جاء ليجمع ويهدي لا ليفرق ويهدم، ولنا ان نعتبر من وراء ذلك ولا ننقاد لأفكار غريبة ودخيلة على مجتمعنا، ويمكن لها ان تضل كثيرين عن جادة الصواب، ومن واجبنا كعقلاء ومسؤولين وناشطين ألا ندفن رؤوسنا في الرمال وأن نعمل ما بوسعنا كي نحافظ على تماسكنا وتعاضدنا، عملا بما جاء في القرآن الكريم: " وقل اعملُوا فسيرى اللهُ عملكُم ورَسولُهُ والمؤمنُونَ وسَتُردونَ الى عالمِ الغيبِ والشهادةِ فينبئكم بما كنتم تَعْملُون"، صدق الله العظيم(سورة التوبة 105).

 وكان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه الانسان.  




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت