هذه البداية-  أيمن عودة

مظاهرة تل أبيب، الأكبر عالميًا ضد الضم وصفقة القرن، هي المقدمة لبناء تحالف عربي-يهودي ضخم ضد الاحتلال ومن أجل السلام والمساواة والعدل والتقدم الاجتماعي.لا نهدف من خلال هذا التحالف بناء قائمة انتخابية، فلدينا "القائمة المشتركة"، القائمة الديمقراطية الصميمية، والوطنيّة الصميمية من جهة ثانية ومتصلة، والتي حازت على ثقة تاريخية غير مسبوقة منذ الكنيست الأولى، والحفاظ عليها بمركباتها الأربعة أمانة وطنية كبيرة.

وفي ذات الوقت فنحن ندرك أن الذي يريد، صدقًا، تحقيق السلام والمساواة الحقيقيين، لا يمكنه ذلك دون شراكة عربية-يهودية واسعة. لأنه ببساطة ووضوح وحدّة، لا يمكن دون شراكة عربية يهودية عريضة.

هناك تساؤل حول إمكانية وجود تناقض بين بناء هذا الجسم التحالفي الشعبي وبين وجود القائمة المشتركة. والجواب الحاد هو: لا تناقض أبدًا. القائمة المشتركة ليست حزبًا أيديولوجيًا، وانما أربع أيديولوجيات، ومن حقّ كل مركّب أن يسعى لممارسة أيديولوجيته. فنحن في الجبهة لا يمكن أن نعترض أبدًا على الحقّ الديمقراطي للإخوة في الحركة الإسلامية بتعميق "أسبوع الدعوة" على سبيل المثال، وكذلك الحركة الإسلامية لا تُعارض أبدًا حقّ الجبهة بتوسيع عملها داخل المجتمع الإسرائيلي للتأثير عليه. هذه هي الوحدة الواعية في القائمة المشتركة، برنامج القائمة يجمعنا وفي ذات الوقت من حقّ كل مركّب ممارسة عقائده المعلنة والصريحة. وطبعًا يكون بناء التحالف المُشار اليه أجدى بأن يتمّ إقناع سائر المركبات، ونحن في الجبهة نسعى إلى ذلك مع الإخوة في القائمة.

كل مركبات القائمة المشتركة تقوم بالتعاون الجزئي، العيني مع أحزاب صهيونية، مثلا المحاولة لتمرير كل قانون، يتطلب الحديث والاتفاق مع أحزاب صهيونية (او أعضاء من احزاب صهيونية). وكذلك الاتفاق معهم على التصدّي لقانون مثل النجاح في التصدّي لقانون الأذان، أو الإخفاق بالتصدي لقانون القومية، فهذا التعاون البرلماني مع أفراد أو أحزاب صهيونية قائم بالبرلمان، ولكن هنالك نقاش داخلي حول إقامة إطار شعبي من أجل السلام والمساواة والديمقراطية والعدل الاجتماعي، وسنسعى بحوار صادق وواضح لإقناع كل المركبات به.

مستجدات هامّة

نحن في الجبهة تابعنا اقتناع نحو عشرين ألف يهودي ليس بالتصويت للجبهة فقط وإنما للقائمة المشتركة برمّتها، وهذا مدخل هام يؤسَّس عليه. فبعد الانتخابات الأخيرة انهارت أحزاب "اليسار" وبقي عشرات الآلاف دون بيت سياسي، وتعمّقت الأزمة بعد شعور مئات الآلاف أن نتنياهو حطّم أحزابهم وقسّمها، ما عدا القائمة المشتركة التي بقيت صامدة وموحدة. والأهم من كل النماذج الحقيقية أعلاه هو تذويت شرائح واسعة في المجتمع الاسرائيلي أنه لا يمكن التقدّم بدون المواطنين العرب! هذه القناعة ترسّخت بقوة خلال الانتخابات الثلاث الأخيرة.

العشرون ألف صوت يهودي للقائمة المشتركة موافقون مع قيمنا بشكل متطابق أو إلى حدّ بعيد، ولكن هناك عشرات آلاف أخرى من المواطنين اليهود الذين يتفقون معنا على برنامج حدّ أدنى في صلبه إنهاء الاحتلال وتحقيق المساواة العميقة ولكنهم يختلفون في أبعاد أخرى جراء اعتناقهم فكر "اليسار الصهيوني"، مع هؤلاء أيضا نبنى الحراك الشعبي من أجل النضال المشترك كالمظاهرة الأخيرة ضد الاحتلال والضمّ، وبالوقت ذاته نصرّ على مناقشتهم على سائر القضايا.

من المهم الالتفات الى فرضيّة أنه كلما انغمس من يعتبرون أنفسهم "يسارا صهيونيا" أكثر في نضالات واضحة العناوين والمسمّيات، فإن هذا يحمل إمكانيات تحريرهم من قوالبهم العقائدية المتوارثة بمعظمها.

لقد أثبتت التجارب النضال العالمية أن الإقناع من خلال النضال والتجربة المشتركين أقوى من مجرّد التنظير بين خصوم متباعدين، مهما كان التنظير محقًا. نحن لسنا أهل الوطن وحسب، وإنما أصحاب الموقف الديمقراطي الصميمي الذي يدعو للنقاش بثقة، ولا يحجم عنه.

المظاهرة الاخيرة تقدم لنا نموذجا،فأحد الامور التي نجحنا بها هو النقاش المثار حول العلم الفلسطيني وادخال كلمة ابارتهايد للقاموس الاسرائيلي. 

واضح اننا نجحنا باحداث قفزة بهذين الامرين،ليس لاننا اكتفينا بالتنظير المحق،بل لاننا فرضنا النقاش بديناميكية مدروسة ميدانية نقودها نحن.

إننا نفتح مرحلة جديدة، قوامها صيانة القائمة المشتركة بكل مركباتها الأربعة وترسيخ وحدتنا الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك نجتهد بالوعي والعمل لتوسيع الشراكة الشعبية بين العرب واليهود الدمقراطيين بمنهجية، ووفقًا لقرارات مؤسسات الحزب الشيوعي والجبهة.

الأكيد الراسخ كالجبال، أننا نملك من الانتماء والثقة بالنفس ما يجعلنا نتقدّم للأمام بمنهجية وثقة ورؤية ونقد ذاتي مسؤول ومتواصل.