X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
08/10/2020 - 08:38:05 am
عشرون عامًا: نضال ضد الاحتلال وجرح مفتوح

عشرون عامًا: نضال ضد الاحتلال وجرح مفتوح

بقلم:عايدة توما-سليمان

في تاريخ جماهيرنا العربية الفلسطينية في هذه البلاد محطات نضالية تاريخية مفصلية، ساهمت في تشكيل الوعي الجماعي الوطني والهوياتي لهذه الجماهير، وعزّزت من صمودها وتلاحمها -ولو كان بعضها قد فرضته اعتداءات وممارسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والآخر كانت الجماهير على استعداد وتأهب لها، إلّا أنها جميعًا كانت أيام قاسية دفعت فيها الجماهير أثمانًا قاسية وفقدت خلالها شهداء خُلّدوا في ذاكرة الوطن، أو تركت وراءها جرحى ومتضررين ما زالوا حتى اليوم يعانون معاناة يومية. إلّا أن هذه الأيام النضالية، هبّة 1958، يوم الأرض، أيام الروحة وأم السحايا وهبة القدس والأقصى، راكمت وعيًا وأحدثت تحولاً في المفهوم والعلاقة بالهوية الوطنية الجامعة لجماهيرنا الفلسطينية ومن ضمنها هبة القدس والأقصى والتي تصادف هذه الأيام الذكرى العشرين لها.

ما ميّز هبة القدس والأقصى كان في الأساس عفويتها وشعبيتها بكونها لم تكن فعلاً حزبيًا أو احتجاجًا منظمًا من أي طرف كان، وإنما ردّة فعل غاضبة صادقة شعبية خرجت فيها الجماهير وقطاعات الشباب لتنتصر لكرامتها الوطنية ولتلتحم في الفعل النضالي مع أبناء شعبنا الفلسطيني، بعدما قام المجرم شارون باقتحام المسجد الأقصى، بإذن من رئيس الحكومة آنذاك براك، الأمر الذي أعطى الإشارة. إلا أن فعل شارون خرج من دائرة استفزاز يميني وقح إلى سياسة إسرائيلية رسمية احتلالية. وبعدما سمعنا وشاهدنا الهجمة الشرسة الدموية التي مارستها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا الفلسطيني الذين تصدوا لاقتحام شارون -بات من الواضح أن نقطة الاشتعال التي بادر لها شارون كانت أكبر من حدث عرضي عابر وأنها معركة ضد الاحتلال ومحاولات فرض الهيمنة والسيطرة والسيادة الإسرائيلية على عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة: القدس.

انطلاق الاحتجاجات بين جماهيرنا العربية الفلسطينية في العديد من المواقع جوبه بردة فعل رسمية وحشية لقوات القمع الإسرائيلية، وما زلت أذكر أننا وقتها عشنا ثمانية أو تسعة أيام لا يمكن أن تمحى من ذاكرة أي منا. ثمانية أيام نحصي فيها الشهداء ونواريهم الثرى لننطلق إلى التظاهرات وصدّ الهجوم الذي مارسته قوات الجيش والشرطة على الشباب، كان تصعيد القمع وإطلاق الرصاص وسقوط الشهداء والجرحى يصب الزيت على النار ويشعل غضب الجمهور أكثر وأكثر، وكانت ماكنة الإعلام العنصرية تصعّد التحريض ضد الجماهير العربية الفلسطينية أكثر وأكثر، واحتلت قصة السائق اليهودي الذي تعرض لقذف حجارة واجهات الإعلام أكثر من ثلاثة عشر شهيدًا من خيرة أبنائنا.

في واحد من تلك الأيام العصيبة ما زلت أذكر جيدًا اندلاع المظاهرات في الناصرة، كنا مجموعة من قيادة الحزب والجبهة من بينهم الرفاق محمد بركة ورامز جرايسي ووصلنا خبر استشهاد الشاب جهاد ابن القائد الفلسطيني محمود العالول الذي كان وقتها محافظ نابلس. اتصلنا هاتفيًا لنعزي أبا جهاد والعائلة، وذهلت عندما سمعت والد الشهيد يرد عليّ: "ابني ليس أفضل من أبناء شعبنا- فكلهم فداء لهذا الوطن. ولكن طمنينا عليكم أنتم، نحن نتابع بقلق أوضاعكم، أنتم هناك في بطن الوحش".

في هذا الرد تتلخص الكثير من العبر من "هبة القدس والأقصى"، فجماهيرنا العربية الفلسطينية هبّت نصرة لشعبها ولقضيته العادلة، خرجت لتدافع عن كرامتها الوطنية ولتتصدى لمحاولات الاحتلال المتكررة تكريس ذاته وسيادته على الشعب الفلسطيني. في هذا الرد الشعبي كانت مقولة صارخة، ترجمت حرفيا " نحن أهل هذا الوطن، ولا وطن لنا غير هذا الوطن... حتى لو جوبهنا بالموت نفسه فلن ننسى أصلنا العريق .. نحن جزء حي وفاعل ونشيط من الشعب العربي الفلسطيني .. لم نتنازل ولا يمكن أن نتنازل عن حق هذا الشعب في تقرير مصيره وفي الحرية والاستقلال على ترابه الوطني".. وبالفعل جوبهنا بالموت، فآلة القمع الإسرائيلية بسلاحها المدجج خرجت لوأد الهبة منذ يومها الأول واستعملت الموت ليشكل رادعًا أمام حالة الاحتجاج والانتفاض على السياسات الاستعمارية التي اندمج فيها أطياف الخارطة السياسية الإسرائيلية من الليكود متمثلاً بشارون، وحزب العمل متمثلاً ببراك، الذي سرح عساكره وقواته لتقمع جماهيرنا.

جميع الأيام النضالية السابقة جمعت بين النضال ضد سياسات التهويد ومن أجل حقوقنا المدنية داخل إسرائيل إلّا أن هبة القدس والأقصى في جوهرها طغى عليها الفعل النضالي من أجل القضية الفلسطينية وضد سياسات الاستعمار والاحتلال الإسرائيلية. صحيح أن المظاهرات المتفجرة اعتمدت أيضًا على مخزون متراكم من الغضب ومشاعر القهر المرتبطة برفض سياسات التمييز والعنصرية وغمط حقوقنا المدنية، إلا أن المحرك الرئيس الذي تغذى على هذه المشاعر كان وما زال القضية الفلسطينية بكل أبعادها الوطنية.

ردة فعل المؤسسة الإسرائيلية أيضًا، ولو أنها لم تكن جديدة، إلا أن حدتها ووحشيتها أثبتت من جديد بأن هذه المؤسسة العنصرية وفكرها المتجذر والمهيمن على قطاعات واسعة من الرأي العام الشعبي اليهودي، لا يمكن له أن يتسامح مع الفعل الثائر ضد سياساته الجوهرية الاحتلالية ولو كان الثمن الذي ستدفعه فضح زيف ادعاءات الدمقراطية والمساواة التي طالما تغنت بها. من طرف الحكومة الإسرائيلية في أيام الهبة التعامل مع المواطنين العرب كان جليًا على أنهم فلسطينيين وفقط فلسطينيين وتناست تمامًا كونهم مواطنين لهم حقوق مدنية من ضمنها الحق بالتظاهر والاحتجاج.

وهذه الأيام عندما تخرج الأصوات اليهودية المحذرة والمتباكية على ضياع الدمقراطية وعلى التخوف من تسرب الفاشية إلى البلاد بسبب عنف الشرطة مع المتظاهرين وسن قوانين تمنع التظاهر، يحضر إلى البال المثل "أُكلت يوم أكل الثور الأبيض"، هذه الجماهير اليهودية التي لم تنجح في فهم ديناميكية القمع الذي وجهته السلطة تجاه الجماهير العربية الفلسطينية التي هبت للدفاع عن شعبها هي هي ذاتها القوى التي لن تفهم اليوم أنها ما زالت ترفل بامتيازات الغالبية اليهودية وأن ما تشاهده من تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع احتجاجاتها ما زال لا يتجاوز قمة جبل الجليد، لأنها هذه القوى اليهودية ما زالت تتعاطى مع القضايا المدنية وضمن حدود المواطنة التي رسمتها المؤسسة ذاتها وحتى الآن لم تناضل ضد ولم تتجرأ حتى على تحدي هيمنة نظام الابرتهايد العنصري ونظام الاستعمار المفروض على شعبنا الفلسطيني.

هبة القدس والأقصى بمجمل تفاعلاتها، بوحشية القمع الذي مارسته السلطات الإسرائيلية، بالإمعان في رفضها الاعتراف بالجريمة التي ارتكبت ضد الشهداء والجرحى، هي استمرار مكثف للسياسات التي مارستها في الماضي هذه السلطات تجاه جماهيرنا في كل مرة كانت تهب للدفاع عن حقوقها، ولكنها أيضُا تصعيد مبرمج لردعنا عن التلاحم مع أبناء شعبنا في قضيته العادلة، ومحاولة بائسة لكيّ وعي شبابنا وأجيالنا القادمة بمفاهيم مواطنة مزيفة لا تقبل التحدي ولا النضال الوطني.

واليوم وبعد عشرين عام وفي ظل تهافت الأنظمة الرجعية العربية على الانضواء تحت الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة من خلال اتفاقيات التطبيع والتتبيع والخطر الكامن على القضية الفلسطينية وعلى حقوق شعبنا الفلسطيني، هل يمكننا أن نحيي ذكرى هبة القدس والأقصى دون التأكيد بأن التلاحم المطلوب الآن مع أبناء شعبنا الفلسطيني وبين أبناء هذا الشعب هو ما يمكننا من إعادة الكرة في تصعيد النضال من أجل إحقاق حقوقه؟

كما يطرح السؤال هل بالإمكان إحياء الذكرى دون التمسّك بالمبدأين الأساسيين اللذان يشكلان العبرة والمنطق فيما جرى، استمرار الاحتلال والسياسات الاستعمارية ضد شعبنا الفلسطيني هو القضية التي لا يمكننا تخطيها أو الإغماض عنها وهي حجر أساس في العلاقة بيننا وبين المؤسسة الإسرائيلية -فلا مواطنة حقيقية ومتساوية ولا حقوق مدنية في ظل نظام أبرتهايد عرقي. دون الاستمرار في النضال ضد هذه المنظومة الاحتلالية والعنصرية لا يمكن رسم حدود المواطنة ولا مضامينها، وتبقى المحاولات جميعها في الانتظام في النضالات المدنية الإسرائيلية مقبولة ومطلوبة طالما لم تنفصم ولم تتحوّل إلى ذريعة للابتعاد عن النضال الجوهري الذي يضع الأمور في نصابها، النضال من أجل حقوق شعبنا الفلسطيني وأنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

في هذا اليوم وبعد عشرين عاما من المهم أن نطالب بمعالجة الجرح المفتوح والنازف، إعادة فتح الملفات ومحاسبة المجرمين والقتلة من رأس الهرم السياسي إلى أدنى الدرجات العسكرية التي أطلقت النيران على أبنائنا. ولكن من المهم أيضًا أن نفتح نحن الملفات ونناقش عبر الذكرى وأن نفحص مع أنفسنا ومع شعبنا كيف ممكن أن نسير بهدي الذكرى وعبرها وكيف بالإمكان فعلاً أن نكون بقدر التحدي الوجودي في الدفاع عن شعبنا وجماهيرنا، عن حقوقنا وصمودنا، عن حياتنا اليومية وكرامتنا الوطنية. نحن بحاجة إلى إدارة حوار وطني شامل وواسع حول هذا وأكثر، لنكون على قدر ذكرى من استشهدوا- لنبقى.







Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت