X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
28/04/2012 - 07:46:16 am
عندما يتحرر الفلسطينيون من روايتهم! بقلم: مرزوق الحلبي
مريم خطيب

تمرّ السنين فرادا وعقودا ويشتغل الفلسطينيون في العادة بالتذكّر وفي تاريخهم ما يُغري بالتذكر. نكبة وترحيل وتشرّد وغربة في المنافي وفي الوطن الصغير وذاك العربي الكبير واحتلال يُعاد إنتاجه. وقلّما خرجنا عن سكّة التذكّر وما عليها من محطات مظالم وبطولات ـ حتى لا تيأس الروح ـ إلى المساءلة والمحاسبة وهي أفعال عقل بامتياز. فإذ بالذكرى ألـ 64 للنكبة كالذكرى الرابعة أو العشرين. كأنه الزمن يمرّ فوق الفلسطينيين لا هم في الزمن أو عليه. التذكّر في حالة المهزومين نجوى وسلوى وبقاء على الأقلّ في دائرة المحقّ.

من هنا تلك الدوائر المغلقة حول الفلسطينيين في تعاطيهم مع تاريخهم قبل أن يصبح تاريخا ـ رواية ـ وبعد أن أصبح كذلك. لقد بدأ الفلسطينيون رحلتهم بكثير من إنكار ما هو مُقبل عليهم من مشروع صهيوني. فاستهانوا كجزء من استهانة المقيم الأصلاني بالطارئ ومن قبيل التسليم ببديهية أن ما كان هو الذي سيكون ومن غير الممكن حصول خلاف ذلك. وما أن انقلب الزمان والمكان وما فيهما من أمم عاربة وغاربة عليهم حتى انزوا في حلقة الضحية يندبون ويتهمون ويلومون حتى استطابوا الموقف تماما وسلّموا بكونهم ضحية للعالم المتصهين مرة وللعالم العربي الرجعي مرة وللمشروع الصهيوني مرة ثالثة. وهنا كان ـ ولا يزال ـ دورهم دور الراوي الذي لا يكلّ عن رواية الوقائع ذاتها، أو دور الشاهد، ما أن يسألوه حتى ينطلق بالحديث دون توقف. وما أن انبثقت الثورة حتى دارت في حلقة مفرغة للعمل المقاوم والمسلح! وظلّت تدور وتدور حتى أكلت أبناءها وناسها واستنفذت ذاتها في ذاتها. ولا يزال العمل المسلّح عقب أخيلس الذي إذا لم يقتل فإنه دون شكّ يشلّ الحركة في مساحة التاريخ الذي غيّر لغته مرات عديدة في تلك الفترة. ولم يتردّد الفلسطينيون عبر العقود الماضية كلها في رهن قضيتهم طوعا وليس جبرا فقط للمراكز العربية المناوبة وللأجنبية، أيضا كدوران آخر في حلقة منغلقة أصلا. فتضرروا وتضررت أكثر مما تحركت إلى أمام. وقد اتضح مرارا بما في ذلك خلال السنة الأخيرة أن الارتهان والرهان خاسران كاستراتيجية. ومع هذا فهناك مَن يصرّ على المضيّ في اللعبة ذاتها ناحية إيران وحزب الله الصدامييْن وسورية المتفككة. وأمكننا أن نقول اليوم وبكثير من الجزم أن مراكز عربية وعالمية وإقليمية ركبت على المسألة الفلسطينية أكثر مما ركبت هذه المسألة على متن هذه المراكز لتتقدم منها إلى أهدافها. بل أن مبنى القوى في هذه الناحية مال لصالح هذه المراكز على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته وإن كان لنا علم بالجدلية والتبادلية. المحصّلة النهائية هي دوس هذه المراكز للمسألة الفلسطينية وتثميرها ورقة في مشاريعهم التي لم ولا تتطابق في غالبية الحالات مع مصلحة الشعب الفلسطيني. ولأنها مشاريع خسرت وتداعت فقد كان من الطبيعي أن تأخذ إلى حضيضها فلسطين وقضية شعبها.

كل هذه الحلقات تشكل سقفا واطئا فوق رأس الفلسطينيين وقضيتهم. يخرجون من حلقة ليدخلوا في أخرى. وكل ذكرى نكبة مناسبة لرصد استعصاء هذه الحلقات على الاختراق. فلا زال هناك مَن يلعب الأدوار كلها ضمن هذه الحقات، من متذكر ومسكون بالتذكر على نحو مرضي، إلى شاهد يُدلي بشهادته بشكل ميكانيكي كلما طرح عليه أحد التحية، إلى عاشق للبندقية لا يتركها حتى في حالة الجماع مع حبيته، إلى مُغرم بتناول الفطور مع أحمد نجاد أو بشار الأسد، إلى مُنتشٍ بالنجاحات الإسلاموية في الانتخابات الأخيرة هنا وهناك عاقدا عليها أمله/رهانه مثلما فعل القوميون والاشتراكيون والشيوعيون الفلسطينيون من قبل مع انتشاءاتهم وإنشاءاتهم!

شيء ما ينبغي أن يحصل للفلسطينيين كي يغادروا المكان الذي وصلوه ـ أو ما برحوه! شيء ما ينبغي أن ينزاح، أن ينهار، أن ينجلي، أن ينتهي ليسجلوا بداية جديدة خارج الحلقات المذكورة. شيء ما يفتح أفقا في المدى المغلق. ربما لغة جديدة خارج اللغة المألوفة التي يٌبل الفلسطينيون عليها بحميمية وودّ فلا يرون أبعد من حدودهم/حدودهم. ولأننا لسنا في زمن المعجزات في كل ما يتصل بالأرض، لم يظلّ أمامنا سوى أفعال العقول وما استطعنا إليها سبيلا. وهي أفعال لا تشتغل بالإنكار بل بالاعتراف، ولا تكتفي بادعاء الحق بل تضع الخطة لتحقيقه، لا تفترض القضية في السماء وهي على الأرض ومن طين وقشّ، لا تستطيب ضحويتها بل تسعى للخروج من راحتها الضميرية، لا تُنكر وجود الآخر ومحرقته ومسألته بل تشتبك بها رافعة رأسها في الفضاء، لا تراهن على الآخرين بل على ذاتها وفاعليتها، لا تفترض إن كل الطرق تؤدي إلى الطاحونة بالضرورة بل تتلافى السير في المسالك الوعرة والمسدودة، لا تركن إلى قدسية كل الاستراتيجيات كجزء من قدسية القضية. الفلسطينيون بحاجة إلى أفعال تقرأ التاريخ الفلسطيني بالذات قراءة تفكيكية لا ترحم ولا تُبقي حجرا على حجر كشرط لدخول التاريخ من جديد ليس كما خرجوا أو أُخرجوا منه. أفعال تصوغ من جديد السؤال الوجودي الفلسطيني ضمن التاريخ وحركته ومستجداته، وتشتبك بعدتها المستحدثة بكل الوقائع بما فيها المسألة اليهودية وحق تقرير المصير والسيادة والعودة وفلسطين. لغة مغايرة بمفردات ونحو وصرف تعرّف الوجود الفلسطيني بحضوره وغيابه من جديد لتُنتج سياسة فلسطينية حيوية يتحرك فيها الفلسطيني بحرية أبعد من روايته وذاكرته.

[email protected]

 

Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت