X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
07/06/2022 - 10:02:44 am
شيرين  أبو عاقلة مزمور القدس الحزين بقلم: سمير حاجّ

شيرين  أبو عاقلة مزمور القدس الحزين

بقلم: سمير حاجّ

القدس  مدينة  الأسوار،  والتلال السبع بتوصيف الروائيّ الفلسطينيّ جبرا إبراهيم جبرا ،بناسها الطيّبين وكروم زيتوناتها وصخورها وحجارتها السّوداء وجيعةٌ ، تعيش جُمعَةً حزينةً ،  تلبس المسوح السوداء ، وتتّشح  بصور  شيرين التي  أضحَتْ بغيابها القاسي  والحارق  موناليزا فلسطين .

راهبةُ الصحافة و صاحبةُ  الصّوت المجلجل  والصورة  الجميلة الشّامخة  ، تُقتَطَعُ  زَيتونةً من حواكير القدس  بلا  ذنبٍ أو خطيئة .

أجراسُ القدسِ تُقرعُ حُزْنًا  للرحيل الكاوي،  وتستعيدُ  صوت فيروز المُتَسرّب  شُموخًا ، بين أزقتها  وحاراتها  العتيقة  " مريت بالشوارع ... شوارع القدس العتيقة .. وعينيهن الحزينة ... من طاقة المدينة " حِدادًا على رحيل نجمةِ الصّحافة والإعلام المهنيّ الصّادق  ، المُلتزم بالهمّ الفلسطينيّ  والوجع الإنسانيّ  .

القدسُ  تبكي ابنتَها شيرينَ   الإعلاميةَ  الصادقةَ  المميّزة ، المُراسلةَ  الميدانية الرمزَ  والهُويّة  ، أيقونةَ الصّحافة والإعلام المُلتزم  الراقيّ ، الباحثِ  في العمقِ الفلسطينيّ التراجيديّ ، عن التفاصيل  والهموم اليومية الصغيرة  في حياة  الناس خاصّةً في المخيّمات ، والتي  سطَّرت أنصع وأرقى الصفحات في سِفْر الإعلام والصحافة المعاصرة.

نجمةُ القدس  سَقَطَت  في بثٍّ  حيّ ومُباشر  مُضرّجةً بالدماء ، برصاصة مُجرم ،   وهي تؤدّي رسالتها الإعلامية بأمانةٍ وشفافيةٍ  ، في مخيّم جنين  أمام الكاميرا ، حاملةً   بشموخٍ وتحدٍّ  ، صوتَها  الهادرَ  وميكرفونها وهاتفها النقّال .

في البدء كانتِ الكلمةُ، هكذا آمنت  شيرينُ   ،  التي نذرتْ حياتها للكلمة والصورة المعبّرة ، والتي هبطتْ  بمحبةٍ وفرحٍ في  قلوب وعقول مشاهديها ومستمعيها  . شيرينُ  امتطت صهوة جواد ٍ  حرونٍ  مُجازفٍ يُدعى الإعلامُ  ،   اجترحت منه   رسالةً وهويةً    الوَعِرَ والشائكَ  - مُراسلةً ميدانيةً بين الحواجز ،  في الحروبِ والمظاهرات والاقتحامات وكانت سبّاقةً    في الوصول إلى قلب الحدث ،بين  الطوق  والحصار والحواجز والرصاص ،  نقلَت بالصّوت والصورة الحقيقةَ  التي يصعبُ الوصولُ  إليها .  نذرت حياتها  فِداءً لهذه الرسالة السّامية لتُسمِعَ صوتَ  شعبها  السيزيفيّ المُعَذّب ، صوتَ  مَن لا صوتَ لهُم في زمن موحِشٍ  ، وضحّت بروحها في سبيل  إسماع صوت وكلمة شعبها الفلسطينيّ  ، في زمن الجريمة بلا عقاب .

صوتُها  صحافيٌّ  موضوعيٌّ بامتياز ، انسيابيٌ  واضحُ  اللغة  وعميقُ المعنى ،بعيدٌ  عن المرصّعات البلاغية والحشو الزائد .

 أعطت درْسًا في  امتلاك  الفرد لمحبّة  ملايين السامعين والمشاهدين  ، بأسلوبها  المهنيّ المميّز ،وصدقِ أقوالها ،واحترامها وإيمانها برسالتها  الإعلامية الراقية .

شيرينُ   هويّتها قلوبُ أبناء شعبها  في أطرار الكون  والقرى والمخيّمات الفلسطينية .  حملتْ  خارطةَ فلسطين وناسَها ،  في صوتها العاصف  الممهور  بسمفونيتها العذبة -اسمها والقناة الفضائية التي تعمل فيها ، " كانت معكم  شيرين أبو عاقلة  من القدسِ المُحتلة –قناة الجزيرة  " .  وبغيابها الصّادم  أعادتِ  القدسَ إلى مركز الحدث،  في خارطة العالم ، ورسمَت الصورة الأجمل لمدينتها وشعبها ووطنها المصلوب على خشبة الصليب .

مسيرتُها  تاريخُ شعب ،  ومدرسة في  الإعلام  الفلسطينيّ االمهنيّ الرّاقي ،  وأرشيفٌ  للتاريخ الفلسطينيّ المُعاصر  بالصّوت والصورة ، وهي صورةٌ  ساطعةٌ   ومميّزةٌ  ،  للمرأة الفلسطينية  الإعلامية  الجريئة.

  شيرينُ التي  كانت تنقلُ  الأحداثَ بالصّوت والصورة  ، رحل صوتُها وأضحت  صورةً   جامدةً مُضمّخة  بالأحمر .

أيّتها الرائيةُ  المقدسيةُ !  يا مَن كَتَبْتِ وتماهيتِ  يومًا  مع المقولة  ( في بعض الغياب حضورٌ  أكبرُ ) ، حَدَسُكِ أصابَ ، فأصبحتِ   حاضرةً أكبر ،  في غيابك القسريّ  الباكر ، رُغمَ حُرقة  رحيلك الموجع .

اليوم  سارَت   شيرينُ بلا صوتٍ ، جُثمانًا   مُسجًّى في نعشٍ ، مُحَمَّلًا على أكتاف مُحبّيها  من أبناء شعبها  ،  في شوارع القدس  العتيقة ، على غير عادتها  ، بلا ميكرفون   وبلا صوتٍ ، دون أن ترصدَ  وتلتقطَ   بالصّوت والصورة ، كما عوّدتنا ،  جحافل الجنود  المدججين بالسّلاح  ، المُغتاظين  حتى من موكب جنازتها  المهيب وجموعِ  مُودّعيها  .

شيرينُ  مزمورٌ  فلسطينيٌ حزينٌ ، ستبقى  بحياتها وموتها  روايةً  فلسطينيةً   هامّة ،  وسِفرًا  جميلًا في تاريخ شعبها    وذاكرته  ،   وصوتًا   إعلاميًّا مميّزًا ،  وشاهدًا ملكيًّا  على  الكلمة القتيلة .  

القدسُ  الحزينةُ  ودّعتها بالورود والشموع  ، والدموع والقُبُلات  والأناشيد والرايات، ورسمَتها  نجمةً  مُضيئةً  بجنازةٍ  مهيبة  استثنائية . إنّها كما كتبتْ  ( في بعضِ  الغياب حضورٌ أكبرُ ) ..لقد رَحَلْتِ بحضورٍ  أكبرَ   ،   فَزِدْتِ الموتَ بهاءً وَحُزنًا .

  طُوبى لمدينة القدس التي  أنجبتكِ  ، وَدَرَجتِ ومشيتِ  في أزقتها وشوارعها  وعِشتِ فيها !  وطوبى لثرى

القدس الذي  احتضنَكِ   أيقونَةً  ،  وامتزجَ وتعطّر برحيق نعشك !




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت