X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
13/11/2023 - 08:02:41 am
كثيرون أخطأوا. نحن لم نخطئ - بقلم: شاني ليطمان 

"كثيرون أخطأوا. نحن لم نخطئ".

"نشطاء اليسار الذين فقدوا أقارب لهم متشبثون بطريقهم"

بقلم: شاني ليطمان 

نقلا عن هآرتس بالعربية 

كثيرون من بين القتلى والمخطوفين وأبناء عائلاتهم كانوا، ولا يزالون، نشطاء سلام. الآن، يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل ليس مع الفقدان والحزن والقلق فحسب، وإنما مع ردود الفعل البغيضة أيضاً. ورغم كل شيء، الكارثة الشخصية التي حلّت بهم لم تغير من موقفهم.

لم ينتظر أولاد يعقوبي وبيلها ينون استلام البلاغ الرسمي بشأن التعرف على جثمانيّ والديهم لكي يقيموا بيت عزاء. فمنذ مساء يوم 7 تشرين الأول، يروي ابنهما معوز ينون، المُبادر الاجتماعي وأحد أصحاب شبكة أبراهام هوستل، نشروا إعلاناً ثم بدأوا، في صباح يوم الأحد التالي، بتلقي التعازي. لم يتم التعرف على جثمان الوالد بصورة مؤكدة سوى بعد 12 يوماً من المذبحة، بينما لم يتم التعرف على جثمان الوالدة حتى كتابة هذه السطور، بعد 17 يوماً من وفاتها.

معيان ينون، شقيقة معوز الكبرى، تقول إنهم منذ صباح يوم السبت قد شعروا، أدركوا وفهموا ما حصل. "في صباح يوم الأحد سافر صهري إلى منزلهما في نتيف هعَسَرا، في الصباح باكراً بمرافقة أمنية، ورأى أن هنالك جثتين لم يكن بالإمكان التعرف عليهما، لكن كان من الواضح أنهما هما. كان هذا كافياً لنا، لم نكن في حاجة إلى أكثر من ذلك حتى نفهم أننا بحاجة إلى وقت لكي نقيم بيتاً للعزاء ونبدأ الحِداد".

بيت العزاء الأول في حرب 7 تشرين الأول تحول إلى طقس عزاء جماعيّ، يروي معوز ومعيان. "حضر إلينا ناجون من نير عام، من نتيف هعَسَرا، من عائلات ثاكلة"، يقول معوز. كان الحدث صادماً، حصل اندماج عاطفي بين جميع الناجين، أو ربما من الأصح تسميتهم الضحايا، لم يكن بالإمكان تخيّله. وخلال أيام الحداد السبعة، تسمع أيضاً ن زميل المدرسة الذي قُتل وعن تلك الصديقة وعن ابن ذاك الصديق، عن أشخاص كثيرين تعرفهم".

كان يعقوبي مهندساً زراعياً ومزارعاً، من مواليد كيبوتس نير عام، وكانت بيلها مربية وفنانة، من مواليد كيبوتس روحاما. كلاهما من سكان النقب، كلاهما نشأ وعاش بالقرب من غزة، طوال حياتهما. أقاما بيتهما الأول في نير عام وهناك وُلد أولادهم الهمسة ـ مور، معيان، معوز، ماغال وماغين. "كان لوالدي أصدقاء بدو وفلسطينيون. أذكر نفسي طفلاً في السادسة ـ السابعة من عمري أسافر مع شخص آخر، علي خميس، لتصليح شاحنته في كراج في غزة، ثم كان يأخذني بعد ذلك إلى مطعم. حينما أبلغته بأنّ والديّ قد قُتلا أصيب بانهيار ونُقل إلى المستشفى للعلاج". عندما وقعت الحركة الكيبوتسية في أزمة خانقة، قررا في العام 1990 مغادرة الكيبوتس والبدء من جديد، بدون إمكانيات اقتصادية، في موشاف نتيف هعسرا. اشتروا قطة أرض وأقاموا بيتاً متواضعاً من بناء خفيف. كان يعقوبي رئيس اللجنة في الموشاف، شريكاً في تخطيط مركز كبير للخدمات اللوجستية، متاخم لحاجز/ معبر "إيرز"، بل ودفع في اتجاه إقامة فرع لمستشفى "أسوتا" هناك، ليقدم الخدمات لسكان غزة.

"أفهم الرغبة في الانتقام"، يقول معوز ينون الذي فقد والديه، "لكنني أرى أيضاً إلى أين أوصلنا هذا الانتقام خلال المئة سنة الأخيرة. يجب أن نعيد المخطوفين، أن ندفن الموتى، أن نبكي، ثم أن نغيّر كل فرضيّاتنا الأساس"

في صباح 7 تشرين الأول استطاع يقعوبي إرسال رسالة إلى أولاده يخبرهم فيها بأنه هو وزوجته قد أقفلا منزلهما وأنهما يجلسان في الغرفة المحمية الآمنة. "عندما فهمنا أنه حصل اقتحام مسلحين، كان من الواضح لنا أنهم لن يصمدا ولن يبقيا على قيد الحياة. كان من الواضح لنا دائماً أن منزلهما لن يصمد أمام الهجوم. كنا نسميه بيتاً من كرتون"، تقول معيان. المسلحون الذين اقتحموا البلدة أطلقوا صاروخاً على المنزل فاشتلت فيه النيران على الفور. احترق يعقوبي وبيلها مع منزلهما. على نحو فظيع، يقول معوز، هذا ينسجم مع طلبهما الصريح، الذي عبّرا عنه منذ زمن طويل. "وصية والديّ كانت أن يتم إحراق جثمانيهما. كانا يقولان إن الأرض هي مكان للقمح وليست مكاناً للقبور. كانا يطلبان أن ننثر رمادهما في حقول المزارعين التابعة للموشاف وفوق قبريّ والديّ والدي في نير عام. وهذا ما سنقوم به فعلاً".

يقول معوز ينون إنه حتى 7 تشرين الأول لم يكن يعرّف نفسه بأنه ناشط سلام، وإنما ناشط اجتماعي. طوال 20 سنة كان مشغولاً ببناء مشاريع ترى في السياحة وسيلة للتغيير الاجتماعي وتربطها مع رؤية حول الحياة المشتركة والتطور الثقافي والتجاري بين اليهود والعرب. بعد أن افتتح الفندق الشبابي الأول في البلدة القديمة في الناصرة، بيت فوزي عازر، في سنة 2005، بالشراكة مع عائلة فلسطينية ه صاحبة الملكية على البيت، واصل خلق مسارات مشي تربط بين مجموعات يهودية وعربية، أقام شبكة فنادق أبراهام التي تعرض أيضاً، إلى جانب غرف الضيافة، فعاليات جماهيرية مخصصة للمجموعات المختلفة في إسرائيل، من الحريديم، مروراً بطالبي اللجوء وحتى مجموعات المثليين، كما أقام مؤخراً أيضاً أبراهام تورز، المعرَّفة بأنها شركة شرق أوسطية تنظم رحلات إلى مناطق السلطة الفلسطينية، الأردن، مصر وإسرائيل، بما في ذلك جولات يجري خلالها عرض الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية، جنباً إلى جنب. وكانت إحدى الجولات المقررة قد مرت أيضاً في منطقة غلاف غزة، في الموشاف الذي يسكن فيه والداه.

في أعقاب أحداث "حارس الأسوار" في أيار 2021، بدأ بتنظيم جولات تحمل أجندة سياسية، سوية مع الناشطة الاجتماعية والسياسية خلود أبو أحمد. "توصلنا إلى القناعة بأنّ الخطوة الأولى نحو الحياة المشتركة هي معرفة رواية الآخر"، يقول. "من الخطير جداً كبت، إسكات وتعطيل رواية 20% من مواطني الدولة، الذين هم فلسطينيون. إنهم مواطنون في دولة إسرائيل ولن يذهبوا إلى أي مكان آخر. لا ينبغي الخوف من الهوية الفلسطينية. يجب التعرف عليهم، الإصغاء إلى روايتهم ومعرفة ما يوجعهم".

المصيبة الشخصية التي حلّت به لم تغير موقفه، بل العكس هو الصحيح. منذ يوم السبت إياه، يعرّف نفسه بأنه إنسان في مهمّة. "أرى دولتنا، بعد سنوات من تحذيرنا بأننا على حافة هاوية، ها هي الكارثة الأكبر التي تنزل على الشعب اليهودي منذ الهولوكوست، في ظل حكم اليمين الخالص، وسيقودوننا إلى الهلاك. أجندتي اليوم هي وقف الحرب، أولاً. ممنوع الدخول إلى غزة. ممنوع فتح جبهة في لبنان. مُلزمون بإعادة المخطوفين، دفن موتانا والبكاء. أعيننا غارقة في الدم الآن ونحن مُساقون للذبح. الذبح الذي تعرض له والداي، في الكيبوتسات والموشافيم، سيكون لا شيء مقارنة بالذبح الذي يمكن أن يحصل هنا. ينبغي علينا تغيير كل مصطلحاتنا وفرضيات الأساس التي تقول إن أمن دولة إسرائيل يقوم على القوة العسكرية".

أنت غير غاضب، ألا تريد معاقبة الأشخاص الذين فعلوا هذا الأمر؟

"أنا أفهم الغضب والإحباط وأفهم الرغبة في الانتقام، لكنني أرى أيضاً إلى أين أوصلنا هذا الانتقام خلال المئة سنة الأخيرة. لو جلس هنا الآن مسلح حماس الذي أطلق الصاروخ على منزل والديّ، لتحدثتُ معه. كنت أودّ أن أفهم. كنت أريد أن يراني أبكي".


معيان أيضاً تقول إنه ليس في داخلها أي كُره أو غضب، وإنما ألم بالأساس. "يمزّقني من الداخل أن أشخاصاً يصلون إلى هذا الوضع الذي يمكن أن يتصرفوا فيه على هذا النحو. السؤال هو هل نحن معنيون بمواصلة هذه الجولة أم نريد إيجاد طريق أخرى، أقل نفاً وأقل وحشية وتدميراً. لا أعتقد بأن سحراً سيغير الواقع. لكنني أومن بأنه من خلال العمل والتطور ثمة أمل وإمكانية للتغيير. بالإمكان بناء علاقات صحيّة، متوازنة وسليمة".

ليس شاة ساذجة

بين القتلى والمخطوفين في مذبحة 7 تشرين الأول، كان هنالك عدد غير قليل من ناشطات وناشطي السلام، وكذلك أقارب لناشطات وناشطين بارزين في منظمات السلام. في هذه القائمة يمكن أن نجد: فيفيان سيلفر، من كيبوتس بئيري، من ناشطات السلام البارزات في إسرائيل. كانت ضو إدارة "بتسيلم" وفي أعقاب عملية "الجرف الصامد" أسست منظمة "نساء يصنعن السلام" والآن هي مختَطَفة في غزة؛ د. حاييم كتسمان، الباحث في الدين والسياسة في الشرق الأوسط، الذي قُتل وله شقيقة عضو في إدارة منظمة "نقف معاً"؛ نيلي مرجليت المُختَطَفة، ابنة عمّة دافيد زونشاين رئيس إدارة "بتسيلم" السابق، ووالدها تشرتشل مرجليت الذي قُتل؛ عمّة ميكي كرتسمان، رئيس إدارة "نكسر الصمت"، أوفيليا رويطمان، المحسوبة في عداد المفققودين؛ ووالديّ وعمّ يوتام كيبنيس، عضو إدارة "ززيم"، حركة مدنية من اليهود والعرب المناضلين معاً ضد الاحتلال والعنصرية، والذين قُتلوا هم أيضاً. خلال الأسابيع الثلاثة التي مرت منذ يوم الإرهاب الفظيع، اضطر كثيرون منهم إلى التعامل ليس مع الفقدان والحزن والقلق فحسب، وإنما مع ردود الفعل البغيضة في شبكات التواصل الاجتماعي وفي الشارع، من جانب مَن يتهمونهم وأحباءهم بأنّ موقفهم هو المسؤول عن هذه الكارثة.

في المنشورات التي نُشرت على فيسبوك وذُكر فيها اختطاف فيفيان سيلفر، مثلاً، وردت تعقيبات مثل: "لم يتم اختطافها، كل ما في الأمر أنها في رحلة لدى أصدقاء"، "من المفضل أن تبقى هناك مع أصدقائها من الأعداء اللدودين محبي السلام"، "عمل بحق كارهة إسرائيل اللي أعدّت الطبخة" وغيرها.

نيطع هايمن مينه، ناشطة في حركة نساء يصنعن السلام ومن مواليد كيبوتس نير عوز، نشرت تغريدات عن أن والدتها، ديتسا، مختطفة لدى حماس، فتلقت ردود فل مشابهة. "كتبوا لي إن دماء القتلى الـ 1,300 جميهم على يديّ أنا، وأنني أستحق أن تكون والدتي في غزة ومستعدون لمساعدتي كي أنضم إليها هناك. كل أشكال هذه الدرر. حين أظهر على القنوات التلفزيونية المركزية، أتعرض للهجوم على الفور مباشرة. قبل بضعة أيام، أجريت معي مقابلة في ساعة حسبتُ أن أحداً فيها لا يستمع، الثانية ليلاً تقريباً. في اليوم التالي، امتلأ صندوق الرسائل خاصتي بالرسائل. أحدهم كتب لي، "تباً لك أيتها النتنة، بسبب أشخاص مثلك توجد معاداة للساميّة. هي هناك بسببك. اذهبي لمساعدة الجنود بدلاً من الرب النتنين". وكتب لي آخر: "هاجري من البلاد وانتقلي إلى فلسطين".

ديتسا هايمن، والدة نيطع، التي اختُطفت إلى غزة

ألم تُغلقي صفحتك أمام تعليقاتهم؟

"لا. قام فيسبوك بحظر التعليقات الأشخاص الذين ليسوا أصدقاء من أجل منع تهجمات فلسطينية، لكن يتضح أنه ينبغي حمايتنا من أشخاص من بيننا أيضاً. أشخاص يتعرضون للحشو بالسموم منذ وقت طويل، لا يعرفون أين يتوقفون".

تعلم هايمن مينه أن والدتها مختطفة في غزة، استناداً إلى شريط تم تصويره في صباح يوم السبت، 7 تشرين الأول، وتظهر فيه ديتسا هايمن بينما يقوم مسلحو حماس بإدخالها إلى سيارة. تظهر في الشريط سليمة معافاة. منذ ذلك الحين، تقول ابنتها، لم ترد أية معلومات حول مصير الوالدة. منذ ذلك اليوم، هايمن تتنقل من جنازة إلى أخرى. "في كل يوم عليّ أن أختار إلى أي من الجنازات الثلاث أذهب. أذهب، أولاً، إلى جنازات أفراد عائلات من مجموعتي العمرية، أولئك الذين كبرنا وترعرعنا معاً. من بين 13 صديقاً في مجموعتي هذه، عائلتا اثنين منهم لم تكونا في الكيبوتس في صباح ذلك السبت، أهالي اثنين آخرين نجوا وجميع الآخرين لديهم والد/ة مخطوف/ة، مقتول/ة أو كلاهما معاً. لديّ صديقة قٌتل والدها ووالدتها مخطوفة وشقيقها مفقود".

ثمة شيء آخر عليها التعامل مه سوية مع بقية سكان نير عوز، هو النضال من أجل إعادة المختَطَفين الكثيرين الذين تم اقتيادهم من الكيبوتس ـ 79 شخصاً. "نحن متقدمون على الدولة بعشر خطوات، في كل شيء. حتى إلى الصليب الأحمر وصلنا قبل أن يستوعبوا هم أنّ شيئاً ما يحدث هنا".

هايمن نفسها ناشطة في منظمة نساء يصنعن السلام، منذ سنة 2017. "نساء يصنعن السلام هي حركة تتحدث عن اتفاق سياسي، ولا تطالب بالذات بحل دولتين لشعبين. هنالك في الحركة أيضاً نساء يُقِمن في مستوطنات. لدي صديقة مقربة جداً تسكن في عالي زهاف، كانت ناشطة مي وكانت مركّزة توجيه في نساء يصنعن السلام. لكن هذه فلاً حركة تعتقد بأن السلام ليست كلمة نابية وكلمة سلام مشتركة للجمي، وليس لليسار فقط".

عندما كبُرتِ، كيف كانت علاقتكم مع الفلسطينيين في الجانب الأخر من الجدار؟

"كانوا يعملون لدينا، كانوا يتجولون في الكيبوتس. لم يشعر أحد بأي تخوف منهم أو هذا ما كان في تصوري أنا كطفلة، على الأقل. أتذكر تماماً شخصية إنسان معين كان يأتي إلى الكيبوتس كثيراً، كنا نعرفه بالاسم وكنا نتحدث معه. معظم أعضاء الكيبوتس كانوا من دعاة السلام. كانت هنالك مجموعة كبيرة من النشطاء الذين كانوا شركاء في نضال سلام الآن. كان الجو العام أن جميع أبناء البشر متساوون وجميعهم يستحقون العيش بهدوء. في الطفولة لم نشعر بأننا نعيش على الحدود. قبل الانتفاضة الأولى، كان الناس من المنطقة هنا يسافرون إلى غزة للتسوق".

والآن، هل تشعرين بأنكم أخطأتم بشأن سكان غزة؟

"كلا، كلا على الإطلاق. أشعر بأن أولئك الذين يفكروا مثلنا هم الذين أخطأوا وأوصلونا إلى هذا الحال. أخطأ من اعتقد بأنهم لا يستحقون الحياة الكريمة، بأنه يمكننا مواصلة السيطرة على شعب آخر كل هذه السنوات العديدة دون أن يرتد هذا إلى نحورنا. أشخاص كثيرون أخطأوا. نحن لم نخطئ. لو أصغوا لنساء يصنعن السلام اللواتي يصرخن من قحف رؤوسهن منذ عملية الجرف الصامد أنه قد حان الوقت لوضع حد نهائي لهذه المعاناة وأن الأمر ممكن، لما وصلنا إلى هذا الوضع الذي تجلس فيه والدتي الآن لدى أشخاص هم من الوحوش، لا من بني البشر".

تقول هيمان إن الأحداث القاسية عززت مواقفها بشأن الحاجة إلى عملية سلمية. "ليس مهماً كم مرة سنحاول القضاء على حماس ومحوها، لكن المؤكد أن الجولة التالية ستكون أسوأ، دائماً. نحن نرى هذا وها قد تلقينا الضربة الآن بقوة. الإيمان بأن الحل ينبغي أن يكون سياسياً وبأنّ هذا ممكن، على غرار نزاعات مريرة وقاسية أخرى قد تم حلها، ليس فقط أن هذا الإيمان لم يتزعزع، بل تعزز أكثر. لأنني أصبتُ بصورة شخصية هذه المرة".

كذلك آراؤها بخصوص حماس، تقول، لم تتغير. "لم نكن نعتقد بأن حماس هو مجرد اسم بريء. الأمر الوحيد الذي كان مفاجئاً لي في كل ما حصل الآن ليس أنهم حاولوا، وإنما أن الجيش لم يكن قادراً على حمايتنا من ذلك. الشعب الفلسطيني نفسه يعاني كثيراً من سلطة حماس، لكن ما العمل، حماس هي عدوّنا في هذه اللحظة والسلام يُصنَع مع الأعداء، بغضّ النظر عن مدى وحشيتهم. من الواضح أنّ بي غضباً تجاه حماس. من الواضح أن الأشخاص الذين أخذوا والدتي والأشخاص الذين ذبحوا وأحرقوا هم وحوش بشرية. من الواضح أن الغضب الأول هو عليهم هم. لكنّ هذا لا يقلل من الغضب على أولئك الذين لم يحموا هؤلاء الناس، مثل والدتي، الذين أقاموا الدولة".

لن نصمت حين تدوّي المدافع

كان توم غودو في الثانية والخمسين من عمره حين قُتل في منزله في كيسوفيم صباح يوم الأحد، 8 تشرين الأول، عندما سدّ بجسده باب الغرفة الآمنة من أجل حماية زوجته وبناته الثلاث. بينما كان المسلحون يطلقون الرصاص الخارق للدروع على الباب، نجحت زوجته في الهرب سوية م بناتها من شبّاك الغرفة فنَجَوْن.

فيفيان سيلفر من كيبوتس بئيري، إحدى ناشطات اليسار البارزات في إسرائيل، أشغلت عضوية مجلس إدارة "بتسيلم" وأسست منظمة نساء يصنعن السلام. منذ اختطافها إلى غزة، تتعرض عائلتها للتهجمات. من بينها، كُتب في شبكات التواصل الاجتماعي أنها "تكره إسرائيل وهي التي أعدّت هذه الطبخة" و"سيكون من الأفضل أن تبقى هناك مع أصدقائها أعدائنا اللدودين المحبين للسلام"

في جنازته التي جرت في كيبوتس ناعَن، رثاه والده، يعقوب: "الأصابع التي ضغطت على الزناد وقتلت، الأيدي التي حملت السكاكين فطعنت وقطعت، كانت بمثابة مبعوثين مخلصين ومصممين على الهدف نيابة عن حكومة ملعونة، مسيانية وفاسدة، مؤلفة من مجرم كبير مُدان جنائياً ومجموعة أشخاص إمّعات متملقين مفتقرين لأية قدرات، لا يملكون أي أفق سياسي وأية رؤية... اعتباراً من يوم الإثنين وفي هذه اللحظات بالذات، يجري شن حملة عنيفة من الإرهاب اليهودي المسياني للتطهير العرقي والمسّ بالأرواح وبتجمعات وقرى في مختلف أنحاء يهودا والسامرة وغور الأردن، بدعم من الجيش والشرطة. لا يسعني أن أقول لتوم 'أرقد بسلام' لأن نفسه المضطربة سوف تشعر بالنفاق الذي يحمله هذا الأمر. في نهاية هذا الفصل الجهنمي الذي نعيشه الآن، وبعد تنظيف الفساد بصورة جذرية، عندما تبدأ الشمس بالشروق فعلاً، سأزور قبرك، توم محبوبنا الغالي وسأقول لك أرقد بسلام، أنت محُرَّر".

كذلك يوتام كيبنيس، عضو إدارة "زَزيم/ حراك شعبي"، اختار أن يتطرق في الرثاء الذي ألقاه في مراسم تشييع جثمان والده، أفيتار كيبنيس، إلى التزام والده بالسلام: "لن نصمت حينما تدوّي المدافع ولن ننسى أن والدي كان يحب السلام. وأنه لم يكن مستعداً لتأدية الخدمة العسكرية في المناطق التي من أجلها تم إهمال النقب. لا تكتبوا اسم والدي على قذيفة، فهم لم يكن يريد ذلك... سنقوم للدفاع عن البيت من أجل الحياة. من أجل الحياة. سنقدّس الحياة، وليس الموت، لأن ثمة خيراً في العالم يستحق النضال من أجله، وليس من أجل الانتقام... والدي لم ينسَ أن في غزة أيضاً أشخاصاً أبرياء عالقين بين مطرقة الحكومة الإسرائيلية وسندان دكتاتورية حماس. حماس التي هي العدوّ، وليس الفلسطينيين. حماس، التي قوّتها عن وعي كامل هذه الحكومة التي تؤمن بالحرب العِرقية، نحن أيضاً لن ننسى ولن نُنسي أن الحرب لن تنتهي فعلياً إلا بإحلال السلام".

يعقوب غودو ناشط في تنظيم "ننظر للاحتلال بعينيه"، وهو تنظيم جديد نسبياً يدعو إلى توجيه الأنظار إلى ما يجري في المناطق ومرافقة رعاة فلسطينيين لحمايتهم من اعتداءات المستوطنين في منطقة جنوب تلال الخليل. منذ بدء الحرب، ينوّه، تم طرد جميع تجمعات الرعاة التي تواجدت في المنطقة، تقريباً. "بعد بدء الحرب مباشرة، بدأ المستوطنون يشنون حملة مجنونة من التطهير الِعرقي العنيف. الجيش يقف جانباً ويراقب. اعتدى المستوطنون على خمسة من نشطائنا أيضاً. حبسوهم وضربوهم".

هو، شخصياً، لم يكن ناشط سلام كل الوقت، بل انضم في أعقاب احتجاجات بلفور. "آرائي كانت متجذرة في اليسار على الدوام، لكنها كانت متجذرة أكثر من اللازم للأسف ولم يتم التعبير عنها ميدانياً إلا قليلاً. خلال سنوات عديدة جداً، امتنعتُ عن زيارة المناطق. ولكن حين بدأتُ أدخل إلى هناك، اسودّت الدنيا في وجهي. كنت أعرف المناطق من خلال خدمتي العسكرية في الجيش، في الاحتياط، وفجأة رأيتُ واقعاً فظيعاً".

توم غودو، الذي قُتل في منزله في كيسوفيم. غضب والده، يعقوب، موجَّه ضد عنف المستوطنين.

منذ مقتل توم، لم يعُد إلى النشاط في التنظيم. "علينا، زوجتي وأنا، أن نحافظ أحدنا على الأخرى الآن. لكنني سأعود. قلت لنفسي إنني إذا ما عدت الآن فقد أقوم بعمل غير عقلاني، وهذا غير مُجدٍ. أحياناً يقوم المستوطنون بدفعنا وضربنا ونحن غير عنيفين مبدئياً. لكن في الوضع الذي أنا فيه اليوم، قد أوجّه بض الضربات".

للمستوطنين؟

"اسمعي، إنه انفعال عاطفيّ ولا تفسير لديّ".

انفعالك العاطفيّ هذا مُوجَّه نحو المستوطنين، وليس نحو الفلسطينيين؟

"أنا أرى هؤلاء الأشخاص العنيفين الذين لا يتورعون ن استخدام أية وسيلة لتنفيذ التطهير العرقي، يعتدون على الناس، يمسّون بالأطفال، يمسّون بالنساء جسدياً. يضربون، يطلقون النار أحياناً على المواشي. ما حصل صباح يوم السبت كان فظيعاً ولا يمكن غفرانه. لكنني لا أعتقد بأنه يجب الانتقام من كل الفلسطينيين أو كل سكان قطاع غزة وتسوية غزة بالأرض. قتل نساء، أطفال ومسنين ـ ما ذنبُهم؟ ومع كل ما بي من ألأم على توم، فهو قد قُتل بأيدي مسلحي حماس، الذين أعتقد بأنهم مبعوثون من قِبل حكومة إسرائيل، سواء كان الأمر عن وعي أو بغير وعي".

لا يستطيع يعقوب غودو النوم منذ مقتل توم وفي الليالي يستعيد لنفسه، مرة وأخرى وأخرى، ما حصل هناك، في الغرفة الأمنة، طيلة الساعات العديدة من صباح يوم السبت حتى يوم الأحد صباحاً. "الوحشية قاسية، وما حصل هناك لا يمكن غفرانه. لكن، أين كان الجيش؟ ابني، توم، كان في الغرفة الأمنة طوال 25 ساعة، وخلال جزء من ذاك الوقت كان يتعرض لهجوم جنونيّ. في الساعة الرابعة بعد الظهر من يوم السبت وصلت إلى المنزل وحدة إيغوز. قال الجنود لتوم وعائلته ـ نحن لن نخليكم من هنا، بعد بضع ساعات سيأتون لإنقاذكم. فمَن يُفترَض بي أن أتهم؟".

مسلحو حماس لم يقاتلوا مقابل جنود، وإنما هاجموا مواطنين وأطفالاً. كيف بالإمكان تفسير أمر كهذا، كيف بالإمكان غفران أمر مثل هذا؟

"لو كان هناك جيش، فربما لم يدخلوا إلى البلدات. أنا لا أبرر وأستطيع أن أغضب وأن أتألم. لكن حماس كفكرة لا يمكن القضاء عليها، ولا بأي شكل من الأشكال. ولذلك، فإن كل ما نفعله نحن الآن، ناهيك ن التصفيات الجسدية لمسلحي حماس، أننا نربّي الجيل القادم من الكارهين والمُهاجِمين. وهؤلاء سيكونون أكثر كراهية وأكثر تعطشاً للدم. في غزة هنالك الآن أكثر من مليون لاجئ. كيف يمكن تبرير هذا؟ هل يمكن لدولة أن تعيش على غريزة الانتقام؟".

تلقيتَ ردود فعل عدائيّة على رثائك لابنك، الذي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي؟

"نعم. شخص ما كتب إنني ما دمتُ أحمل هذه الأفكار، فلماذا أعيش في كيبوتس ناعَن؟ عليّ الذهاب إلى نابلس. وكتب آخر إنه يشاطر العائلة حزنها، ولكن لماذا يجب إقحام السياسة في الرثاء أيضاً".

كان من الصعب على الناس أيضاً استيعاب حقيقة يوخيفيد ليفشيتش ابنة الخامسة والثمانين واحتواؤها. بعد تحريرها من الأسر لدى حماس هذا الأسبوع، أجابت بصدق وصراحة على أسئلة الصحفيين حول ظروف احتجازها فقالت إن الذين اختطفوها اهتموا بأن يوفروا لها الطعام والشراب، النظافة الصحية والعلاج الطبي. حتى أنها استدارت لمصافحة يد أحد مسلحي حماس، الذي سلّمها إلى الصليب الأحمر، وألقت عليه التحية باللغة العبرية. كان هذا التصرف صادماً لكل من وجد من الصعب احتواء تعقيد الحالة.

زوج يوخيفيد، عوديد ليفشيتس ابن الأربعة وثمانين عاماً، صحفي سابق، كان بين المختطَفين هو الآخر ولا يزال في أسر حماس. كان يتطوع خلال السنوات الأخيرة في جمعية "الطريق إلى الشفاء" التي تنقل مرضى يعانون من أمراض خطيرة من حاجزيّ "إيرز" وترقوميا في المناطق إلى العلاج في مستشفيات إسرائيلية. وقد كان في بلدات منطقة "غلاف غزة" عدد غير قليل من هؤلاء المتطوعين. بعضهم قُتل خلال هجوم حماس وبعضهم، مثل عوديد ليفشيتس وحاييم بيري من "نير عوز"، مختطَفون.

ياعيل نوي، المولودة في كيبوتس "علوميم" في منطقة "غلاف غزة"، هي المديرة العامة لجمعية "الطريق إلى الشفاء". "من كل كيبوتس في غلاف غزة، تقريباً، هنالك متطوع أو اثنان أو ثلاثة"، تقول، "معظمهم من المتقاعدين الذين يتحكمون بأوقاتهم. ينقلون حسب قدرتهم. عدي دجان من بئيري، الذي قُتل في الهجوم، كان ينقل كثيرين، من غزة ومن الخليل. فيفيان سيلفر، المختطفة، إيلي أورغاد من كفار عزّة الذي قُتل كان ينقل منذ سنوات عديدة وتامي سوخمان من بئيري التي قُتلت ـ جميعهم كانوا ينقلون المرضى من حاجز إيرز".

"أنا أكافح لكي أحافظ على إنسانيتي"، تقول ياعيل نوي، التي تقف على رأس منظمة ترافق فلسطينيين لتلقي العلاج الطبي في إسرائيل، والتي قُتل عدد من المتطوعين فيها. "أخشى أن أصبح متوحّشة مثلهم. لا أريد أن تنبت بذور الشر في داخلي، ولذا فأنا أواصل نشاطي. هنالك العديد من المتطوعين الجدد الذين يضمون إلينا الآن بالذات"

كان من الواضح لنوي دائماً أن تقديم المساعدة لسكان غزة هو عمل طبيعي بالنسبة لسكان المنطقة. "دائماً، حين كانوا يقولون لي إن فقراء بلدي أولى، كنت أقول: غزة هي فقراء بلدي. هذه هي المدينة الأقرب إليّ. بالنسبة لي، هذا عمل إنساني يساعد جيراننا الذين يعيشون أقرب ما يكون إلينا. ناحل عوز، بئيري، نيريم (ثلاثة كيبوتسات إسرائيلية في منطقة "غلاف غزة") ـ ملتصقة بغزة تماماً. هذا ما يستدعيه الواقع. في جمعية الطريق إلى الشفاء نحن لا نسأل الأشخاص ما هو انتماؤهم السياسي ـ الحزبي. ثمة متطوعون معنا من نوكديم وكدوميم وكفار عتصيون (ثلاث مستوطنات في الضفة الغربية). والدي يسكن في كيبوتس عَلوميم ويصوّت لأحزاب اليمين والجمعية هي بيته هو أيضاً".

منذ 7 تشرين الأول تقول نوي إنها تجد صعوبة في احتواء الفقدان واستيعاب مدى تعقيد الوضع. "أنا أتمزق. أتلقى طوال النهار رسائل واتس أب من مرضى من غزة يسألون عن حالي. من جانب المرضى في غزة ومنسّق الجمعية هناك، هنالك الآن درجة أكبر من التعاطف معنا والاهتمام بنا مقارنة بالأشخاص الذين نعمل معهم في الضفة الغربية. منذ اليوم الأول من الحرب، نحن نواصل نقل ومرافقة مرضى من الضفة، لكنّ الأمر صعب للغاية، لأن ألسنتهم قد انعقدت من الصدمة. لم يقولوا ولو كلمة مشاركة أو تعاطف. أنا أبحث كل الوقت عن مكان في داخلي كي أستطيع العثور على الهدوء في مواجهة هذا الوضع، لكنني لا أفلح في ذلك دائماً".

رغم الصعوبة، لا يساور نوي أي شك في أنه ينبغي عليها الاستمرار في نشاطها. "أنا أفكر، كل الوقت، باليوم التالي. ثمة صدوع بالإمكان رأبها. قبل بضعة أيام لم أنتبه وخرجتُ من بيتي وأنا أرتدي قميصاً لحركة "ننظر للاحتلال بعينيه". كنت في طريقي إلى جارتي، ثم استوعبت أني أرتدي هذا القميص. وفي منتصف الطريق، في وسط الشارع، خلعت القميص وقلبته. لا أشعر بالارتياح عند ارتداء هذا القميص في الحيز العام الآن ولا أريد أن أسبب الألم لأي إنسان، فأنا أشعر بأن آرائي يثير الألم كل الوقت الآن. لم أشعر من قبل، قط، بأن ثمة نظرة من الخارج، بأنّ لديّ تشكّكاً وبأنّه من غير المريح أن أتحدث عن ذلك. حينما أذهب لزيارة والديّ، اللذين تم إخلاؤهما إلى فندق في نتانيا، هنالك من بين أعضاء الكيبوتس من يقول لي ـ واضح لكِ أن هذا بسببك وبسبب الأشخاص الذين تنقلين. أنا أمسّ بهم، بحضوري هناك".

هل يهزّك هذا؟

"نعم، لكن من الواضح لي أنني سأواصل. أنا أحارب الآن لكي أحافظ على إنسانيتي. أخشى أن أصبح متوحشة مثلهم. لا أريد أن تنبت بذور الشر في داخلي، لأنهم رشّونا بهذه اللوثة. لا خيار آخر أمامنا سوى معرفة هذه الشهادات، إذ لا يمكن الانغلاق وصم الآذان عنها. لكن، يجب أن نستمع إلى القصص ونبقى إنسانيين وأنا لا أعرف كيف يمكن فعل ذلك. ثمة شرخ كبير جداً هنا حقاً، لكنني مستمرة. تصلنا طلبات ونحن نستجيب لها. وهنالك كثيرون جداً من المتطوعين الجدد الذين ينضمون إلينا الآن، والآن بالذات".

أليس ثمة غضب على الغزيّين؟

"ولا حتى قطرة واحدة. هم أسرى في أيدي حماس ويخافون من حماس أكثر من خوفهم منّا. هنالك بعض المرضى الذين كانوا يتصلون يسألون عن أحوال المتطوعين، كلما بدأت صواريخ تتساقط على منطقة الغلاف. أشعر بأنّ الغزيّين موجودون، عل نحو ما، في طنجرة الغلاف نفسها، سوية مع المتطوعين. إنهم يعانون المعاناة ذاتها، سكان غزة وسكان الكيبوتسات. أنا أشعر بكثير من التضامن معهم، أكثر بكثير مما هو تجاه سكان الضفة الغارقين في أنفسهم الآن. أشعر بكثير من الغضب نحوهم".

نداف فايمن، مدير كبير في "نكسر الصمت"، مدين بانضمامه إلى هذه المنظمة لقائده العسكري سابقاً في سرية "الشبيبة الطلائعية المحاربة" (الناحال)، شاحر تسيمح. في يوم السبت الماضي، قُتل تسيمح (39 عاماً)، الذي كان عضواً في "فرقة التأهب" في بئيري. قُتل بعد قتال مع مسلحي حماس استمر سبع ساعات، حتى نفدت ذخيرته. "كان شاحر شخصاً مميزاً" يقول فايمن. "في الأسبوع الذي سُرّحت فيه اتصل بي وقال إنه انضم إلى منظمة اسمها نكسر الصمت وإنه يعتقد إنني يجب أن أنضم، أنا أيضاً. قلتُ له اعفِني من هذا. كل ما كنت أتوق إليه في تلك اللحظة هو جمع ما يكفي من المال والسفر إلى أمريكا الجنوبية. سافرتُ وحين عُدتُ كسرتُ الصمت وانضممتُ إلى المنظمة وتسيمح، الذي كان قائدي في الجيش، كان الناشط الذي رافقني وهو ما منحني الكثير من الثقة. كان شخصاً حكيماً جداً ومُحبّاً للمناقشات السياسية. منذ اليوم الأول في نكسر الصمت، لم يُذعن لحُكم الحركة، بل ناقش وطرح الأسئلة. في داخل المنظمة كان القلب النابض لليسار الصهيوني. في مرحلة ما بدأ يدرس الاقتصاد وانتقل ليصبح موظف دولة في وزارة المالية. لم أفهم كيف يمكن ليساري أن يفل أمراً كهذا. لكن هذا هو الشخص".

شارك في الجنازة أشخاص من فترات مختلفة في حياته، جميعهم قالوا عنه الأمور ذاتها ـ أنه كان مُجادِلاً، مُحباً للبلاد، مُحبّاً للرحلات، هاوياً للسيول، إنساناً خيّراً وصديقاً جيداً. "قال عنه والده إنه مات وهو يحمل البندقية في إحدى يديه وغصن الزيتون في الأخرى. هذا هو شعوري أنا أيضاً نحوه. كنت مصدوماً من أن الجمي كان يرونه بالصورة ذاتها، كم كان وفيّاً لذاته. وهذه، أيضاً، المرة الأولى التي أقف فيها في جنازة ويذكرون اسم نكسر الصمت. مع شاحر، يبدو منطقياً تماماً أنه كان قائدي العسكري في الجيش من جهة، وأنا أحضر إلى جنازته مع فريق من نكسر الصمت، من جهة أخرى".

هل ما حصل يدفعك إلى إعادة التفكير بمفاهيمك ورؤيتك السياسية؟

"نعم ولا. اللا هي على أن هذه المذبحة المجنونة وحملة الانفلات القاتل التي نفذها المهووسون من حماس تبيّنان، للمرة التي لا نعرف رقمها، أنّ ليس ثمة حلاً عسكرياً لغزة. هذا لا يجدي نفعاً. ليس مهماً كم عدد الصواريخ التي سنطلقها عليهم. فقط الحل السياسي هو الذي يساعد هنا. وهذا يُظهر أيضاً مدى قوة الحركة الاستيطانية. فحقيقة أنه قد تم نقل هذا العدد الكبير جداً من الجنود والأسلحة للمحافظة على نظام المستوطنات هو الذي أدى إلى واقع أنه لم يكن ما يكفي من الجنود للدفاع عن منطقة الغلاف. المستوطنون هم قبل الجميع في هذه الدولة. من هذه الناحية، ما زلت أعتقد بضرورة الحل السياسي لغزة والضفة.

"ما تغير فعلاً هو أن حجم وعمق وجنون القتل الذي نفذته حماس هو أمر لا يمكن تجاهله. هذا لا يعني أنني كنت أؤيد حماس في السابق، ولكن ترسخت قناعة بأنّ حماس هي التي يتحدثون معها في غزة ويحوّلون لها الأموال ويُخرِجون من هناك العمال. لكن لا يبدو أن هؤلاء أشخاص يمكن الحديث معهم عن السلام. نحن الآن في لحظة تاريخية في المجتمع الإسرائيلي. هذا هو الهجوم الإرهابي الأكبر الذي حصل هنا. كثيرة هي الأشياء التي تتغير وتعود لتنتظم من جديد، بما في ذلك بخصوص موقفنا من الحلول الممكنة وكذلك بخصوص مسألة مع من نتحدث في الطرف الآخر. في الجيش علّموني أن مهمتي كجندي هي الدفاع عن حياتي والدفاع عن دولة إسرائيل. إذا ما أصِبتُ، فهذا جزء من الدفاع عن هذا المكان. أما المواطنون، فهم خارج الصورة. أن تذهب من بيت إلى آخر في الكيبوتس وتختطف أشخاصاً وتنكّل لهم، فهذا يختلف تماماً عن محاولة الاستيلاء على موقع عسكري وإطلاق النار على الجنود".

وما هو استنتاجك من هذا؟

"لا أعرف. ما زلنا نحاول فهم ما يحدث الآن. هذا هو أحد أسباب توجهي الفوري إلى الجنوب للتطوع في غرفة الحرب التي أقامتها منظمات الدعم والمساعدة. لأن نكسر الصمت هو الأمر الأكثر أهمية الذي أقوم به في حياتي، إلى جانب كوني أباً، لكن ينبغي أن نساعد شعبنا، لأن الحكومة لا تكترث. نحن في معركة صدّ واحتواء، وبعد ذلك سنفهم ما يجب أن نفعله مستقبلاً".




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت