X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
04/07/2012 - 10:41:46 am
لنبدأ صفحة جديده! د. رفيق حـــــــــــاج
مريم خطيب

عندما يعرضُ علينا الآخرون "فتحَ صفحةٍ جديدةٍ" نرى بذلك دعوةً صادقةً لنسيانِ الماضي وتجاهلِ الأضرارَ التي جلبناها على بعضنا البعض, لكن تكرار هذا العرض وغياب الندّية والالتزام المتبادل يجعلها عبارة جوفاء تنتقص المصداقية ومحاولة لكسب الوقت والنيل من الطرف الآخر لا أكثر. نحن غير مُلزمين بفتح صفحة جديده.

 

"لنبدأ صفحة جديدة..!" يا لها من عبارة جميلة متفائله عادلة سلمية ساحرة تقطر صدقاً ومحبة. يا لها من دعوة للمصالحة وتعبير عن الرغبة الحقيقية في مواصلة المشوار بالرغم من العوائق والمشاكل وسوء التفاهم الذي حصل بيننا وبين محبينا او معارفنا او مشغّلينا او مُستخدمينا او جيراننا او أي طرف آخر نعيش او نتعامل معه. عندما نسمع هذه العبارة من الآخرين نبتسم ونفتح قلبنا لهم واحيانا نجد بها "انتصارا" عليهم ونميل الى الاعتقاد بأن تصميمنا وعنادنا ووقوفنا على ثوابتنا ادى بهم الى رفع الراية البيضاء وان يتوجهوا الينا بطلب لنسيان الماضي والشروع بفتح صفحة جديده للعلاقة بيننا. في اغلبية الاحيان عندما يُطلب منا فتح صفحة جديده نوافق لتوّنا خشية بأن نُتهم بالفظاظة او العدوانية او الحبور واحيانا نوافق لأن احتمالاتنا "بالانتصار" على الطرف الآخر ضئيله, واحيانا نوافق لأننا نعتقد بأنه كان لنا القسط الأكبر في تدهور العلاقة مع الطرف الآخر, وأن فتح صفحة جديده معه يعفينا من المقارعة والمماحكة والمنازله ويؤدي ال فتح نافذة أمل جديده.

ما رايكم بزوج يطلب من زوجته فتح صفحة جديدة كل مرة تقوم برزم اغراضها والانفصال عنه بسبب قيامه بالصراخ في وجهها وتوبيخها امام الناس؟ وما رأيكم بموظف مبيعات يقوم بإيذاء شعور الزبائن للمرة المائه وعندما يهدده مُشغّله بالطرد يتوسّل اليه ان يغفر له وان يفتح صفحة جديده معه حالفا اغلظ الأيمان ان هذه "آخر مرة"؟ وما رأيكم بمزوّد يتأخر في تسليم البضاعة للمتجر الذين تديرونه مرة تلو المرة ولا يعبأ بانذاراتكم وعندما تقررون ايقاف التعامل معه يستجدي طالبا فتح صفحة جديده؟ هل نوافق على فتح صفحة جديده مع اناس خذلونا اكثر من مرة؟ وهل علينا ان نضع حدّا اعلى لعدد الصفحات التي يمكن فتحها؟! لقد قالت احدى الزوجات لزوجها المدمن على الكحول ويعدها ان يتوقف عن ذلك أنه لم تعُد هناك صفحات للفتح, ومن تكرار فتح الصفحات قد وصلت الى صفحة الغلاف.

اذاً فتحُ الصفحة ليس خطوة إلزامية وباستطاعتنا الموافقة عليها او رفضها او تأجيلها او تجاهلها او إخضاعها لشروط معينة. الكل يتعلق بتجربتنا السابقه مع من نتعامل معهم وبميزان القوى القائم بيننا وبالنتيجة المُرتقبة من فتح الصفحة الجديدة مقارنة بالوضع القائم. اذا عُرض علينا فتح صفحة جديدة ولم يرُق لنا ذلك خشية بأن تكون للماثل أمامنا خطة لكسب الوقت او مكيدة للإيقاع بنا فعلينا رفض اقتراحه أو على الأقل ان نشترط  موافقتنا بقيامه بخطوات معينة تُثبت حسن نيته ورغبته الصادقة في اعطاء فرصة جديده للعلاقة بيننا.

الفكرة المركزية التي تعتمد عليها "استراتيجية الصفحة الجديده" هي لننسَ الماضي,  لنتجاهل ما جرى وكان, ولنضع جانبا الأضرار التي جلبناها على بعضنا البعض, ولنشرع بعهد جديد يكون به الاحترام المتبادل سيد الموقف. بالامكان استبدال كلمة "الاحترام المتبادل", "بالعطاء المتبادل" او "الجهد المتبادل" او "الالتزام المتبادل" او اية خطوة تبادلية. باختصار فتح صفحة جديده له معنى ومغزى اذا كانت هناك تبادلية وندّية بين الطرفين, والمقصود بالندية في هذا السياق هو وجود توازن قوى موضعي بين الطرفين. اذا كانت قوتنا تعادل عشرة اضعاف قوة الطرف الآخر فما معنى ان نفتح صفحة جديدة معه؟ّ فنحن نملك القوة ان نخرق أي تعهّد نقوم به.

ان فتح صفحة جديدة لا يقتصر على التعاملات الشخصية فقط وانما هنالك استعمال واسع لهذا المصطلح في السياسة بين الدول, ففي سنة 2008 طلب الدكتور الزهار زعيم حزب "حماس" من الرئيس اوباما بأن يفتح صفحة جديدة بما يخص العالم الإسلامي". هل قام اوباما بذلك؟ بالطبع لا! لأنه الطرف القوي الذي يملك الخيارات, وكلنا نعرف ماذا كان خياره. هنالك ايضا الدعوة اياها التي قام بها وزير الأمن براك الى عرب اسرائيل بفتح صفحة جديده عشية الانتخابات. هل ممكن ان تكون دعوة من هذا القبيل صادقة؟, ولا تنسوا توجّه حكومة اسرائيل لأرضوان بفتح صفحة جديده إثر قيام الجيش الاسرائيل بالاستيلاء على سفينة مرمرة وقتل الأبرياء. لقد اشترط ارضوان حينها "فتح صفحة" جديده بقيام اسرائيل بالاعتذار, لكن حكومة اسرائيل أبت ذلك لأن ميزان القوى القائم في المنطقة يُتيح لها بذلك. كذلك الأمر بالنسبة لبشار الاسد الذي ناشد شعبه بايقاف سفك الدماء وفتح صفحة جديده مع نظامه بعد ان قام بتصفية عشرات الآلاف منهم. من سيوافق على فتح صفحة جديده في مثل هذه الحالة؟ ولماذا لم يطلب فتح صفحة جديده قبيل نشوب الهبة الشعبية في بلده؟!

نحن غير قادرين احيانا على فتح صفحة جديده مع انفسنا او مع الآخرين لأن ذلك مقرون بشجاعة قد لا نملكها او بمصادر مالية نحن غير مستعدين للتفريط بنا. من الجائز ايضا اننا نملك طباعا ونعاني من عُقد نفسية ونزعات وجنونيات  نحن غير قادرين على حلّها او الاقلاع عنها او حتى تغييرها. ان اغلبية المُدمنين على المخدرات او الكحول او القمار او الجنس غير قادرين على فتح صفحة جديده, ولذا فهم بحاجة الى علاج والى تدخّل خارجي لكي يستطيعوا البدء من جديد.

باختصار عبارة "فتح صفحة جديدة" قد تكون دعوة صادقة لنسيان الماضي القاتم الزاخر بالمشاكل وسوء التفاهم, وقد يكون عبارة رنانة خالية من أي معنى ومغزى, وعلينا ان نقرأ الصورة جيدا قبل اطلاقها او الاستجابه لها.

 

 

 

 

 

البريد الالكتروني لكاتب المقالة: [email protected]




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت