X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
04/11/2011 - 09:32:56 am
مبروك لفلسطين... وشكرًا لابن ذاك البيت في حيفا
موقع الغزال

بقلم: جوني منصور

لا شك في أن قبول فلسطين في عضوية كاملة في اليونسكو يحمل أبعاداً كبيرة وأهمية لا يستخف بها. فمجموع الدول التي وافقت على قبول فلسطين في اليونسكو بلغ 107، مقابل معارضة شديدة من الولايات المتحدة والمانيا وكندا ورفض كلي من قبل اسرائيل وسواها من الدول المنتفعة من الإدارة الامريكية في الأساس.

ويؤكد القبول في هذه المنظمة أن القضية الفلسطينية قد حققت ولو شيئًا رمزيًا من حقها في عدالة وصدق المطالب الفلسطينية. ومن جهة أخرى فإن هذا الخطوة تجعل من قضايا التراث الفلسطيني والموروث الفلسطيني المادي خاضعًا للمراقبة والمتابعة من قبل المنظمة أولاً ومن الدول الأعضاء فيها ثانيًا.

أما اسرائيل التي قال مندوبها أثناء التصويت:"لا اسرائيل" فقد أثار موجة من الضحك والتفكه، لأنه ربط النفي مع اسم دولته. أضف إلى ذلك، وبعيدًا عن هذه اللحظة الساخرة، فإن رفض الولايات المتحدة واسرائيل وعدد من الدول الغربية له دلالات يتوجب على الفلسطينيين من رسميين وغيرهم أخذها بعين الاعتبار واحتساب الأمر بصورة مغايرة.

فاسرائيل في رفضها التام لقبول فلسطين في عضوية المنظمة تؤكد أن الاحتلال ليس فقط عسكري إنما هو ثقافي. فاسرائيل منذ قيامها في أراضي الـ 48 ومنذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان في 1967 قد أعملت مِعوَل الهدم والطمس والتغيير في المواقع التراثية والدينية والثقافية الفلسطينية متذرعة بأسباب واهية ولا صلة لها بالتاريخ. فتم تغيير الأسماء واستبدالها بأسماء عبرية وتوراتية، وتم تهويد مواقع دينية اسلامية(على سبيل المثال مقام الخضر في حيفا أصبح "مغارة الياهو هنفي"، ومقام أبو هريرة في يبنة أصبح يحمل اسم الراب جمليئيل وغيرها كثير)، وقامت اسرائيل بجرف عشرات المقابر الاسلامية والمسيحية الفلسطينية في معظم القرى والمدن التي تم تهجيرها على يد جيشها في عام 1948 وما بعده.

لذا، تدرك اسرائيل أن مشروعها الاستيطاني الكولونيالي لن يُكتب له النجاح إذا اقتصر على احتلال عسكري فقط، بل يجب ان ترافقه خطوات من المحو الثقافي واستبداله بتراث تمّت صناعته في مصانع كتابة التاريخ المزيف للمكان الذي شوّهت صورته الأصلية.

وقبول فلسطين في عضوية اليونسكو ولو متأخرًا، فيه ما يمكن أن يكفل عملية الحفاظ على الموجود والقائم، ويتيح الفرصة للمطالبة بإعادة الأسماء العربية والفلسطينية لأكثر من 22 ألف موقع تمّت فيها عملية تشويه الأسماء أو استبدالها.

وباعتقادنا، أن خطوة قبول فلسطين في منظمة اليونسكو، وإن كانت رمزية إلى الآن، هي خطوة جريئة فيها تحدي للسياسة الامريكية المنحازة أصلاً للطرف الاسرائيلي والساعية إلى تقليص القضية الفلسطينية لنقطة التلاشي، لتبقى اسرائيل دولة تؤدي الوظيفة الكولونيالية الامريكية والغربية.

الرفض الامريكي لقبول فلسطين في عضوية اليونسكو، دون تبرير ذلك بما يقنع العالم، هو تأكيد واضح أن الأدارة الامريكية تُفضل اسرائيل على فلسطين وباقي الدول العربية، فلماذا إذن الاستمرار في قبول الطرف الفلسطيني بالإدارة الامريكية كلاعب رئيسي في إدارة المفاوضات العبثية مع اسرائيل؟

لهذا، فإن ما جرى في أروقة اليونسكو، دليل قاطع على ضرورة توجيه الفلسطينيين عيونهم نحو دول كبرى أخرى، واعني هنا الصين وروسيا، لتكون قوة دافعة وضاغطة في المستقبل لمتابعة المفاوضات مع اسرائيل، كي لا تبقى الولايات المتحدة واوروبا ربيبتها طرفًا واحدًا ووحيدًا في الضغط على الفلسطينيين لصالح اسرائيل.

أما الرد الاسرائيليي فلم يتأخر من المجيء، حيث أعلنت حكومة نتنياهو أنها ستعاقب الفلسطينيين بمنع دفع المستحقات لهم. والسؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهننا هنا: ما العلاقة بين قبول فلسطين والمستحقات؟ الجواب في غاية البساطة، إذ ان اسرائيل تعتقد أنه بالمال يمكن الضغط على السلطة الفلسطينية، وأن عملية الضغط هذه ستؤتي ثمارها، إذ سيسرع الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات، بل طاولة التنازلات لصالح اسرائيل، أو كما يتبجح نتنياهو لصالح السلام.!!

ولم يتوقف مسلسل العقوبات الاسرائيلية على الفلسطينيين بأن أعلنت حكومة نتنياهو عن نيتها بناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في مواقع حساسة للفلسطينيين. هذا العقاب ليس جديدًا، ولكن الرد الفلسطيني والعربي والعالمي يجب أن يكون قويًا وفاعلاً على أرض الواقع لمنع اسرائيل من الاستمرار في عملية البناء في المستوطنات. وإن كانت الولايات المتحدة واوروبا تعترض دائمًا على ذلك، إلا أن خطوة فعلية لم تتخذ لمنع اسرائيل. فهل في هذه المرة يحصل المختلف؟ من الثابت والواضح لنا أن تغييرًا في السياسة الامريكية تجاه اسرائيل لن يحصل في الأفق القريب، أليست الانتخابات الرئاسية الامريكية على الأبواب؟ أليس هناك حاجة ماسّة لدى المرشحين الامريكيين وفي مقدمتهم اوباما للصوت اليهودي وللدولار الصهيوني؟

واضح لنا انه بعد هذا القبول ستقف فلسطين في الامتحان الأصعب وهو قبولها في عضوية الأمم المتحدة. فهل سيتكلل ذلك بالنجاح؟ أم أن المراوغة الامريكية والاسرائيلية والاوروبية ستقنع الفلسطينيين بالاكتفاء بقبول فلسطين في اليونسكو، وليترك أمر العضوية في الأمم المتحدة للمفاوضات؟

ولكن، فرحة الشعب الفلسطيني بكل ما هو ايجابي فيه حق وتحقيق ما يصبو إليه كل فلسطيني، أن يكون الشعب الفلسطيني جزءًا من الفسيفساء العالمية. والشعب الفلسطيني وموروثه الحضاري الكبير والضخم يستحق الاعتراف ، وضمان هذا الاعتراف بسعي المنظمة فعليًّا إلى العمل من أجل حماية هذا الموروث.

وكيف يرتبط قبول فلسطين في اليونسكو بعنوان مقالنا هذا؟ الحقيقة أن من عمل ليل نهار ولسنوات طويلة في تحقيق هذا الانجاز، بل هذه الأمنية الكبيرة هو السفير الفلسطيني في اليونسكو الدكتور الياس وديع صنبر. الياس صنبر هو ابن حيفا، ولد فيها في عام 1947، وغادرها مرغما مع أهله وله من العمر 15 شهرًا فقط. وبدا على شاشات المحطات الفضائية في غاية السعادة. وممّا لا شك فيه أن حيفا كانت حاضرة في فكره وقلبه وباله وكيانه وهو يبحث عن كيفية الحفاظ على الموروث الفلسطيني. نعم، كانت حيفا على وجه الخصوص حاضرة في اليونسكو تصرخ بأعلى صوتها من خلال الياس صنبر، ليبقى فيها شيء من الموروث الفلسطيني الآخذ بالزوال.

كان والد الياس صنبر شخصية اجتماعية وسياسية معروفة في المشهد الفلسطيني في حيفا في فترة الانتداب البريطاني. لقد أثارت التحولات في حيفا وفلسطين، خاصة بعد موجات الهجرة الصهيونية قلب وفكر وديع صنبر، فانبرى  لخدمة مجتمعه. كان عضوًا في عدد من اللجان والجمعيات، منها جمعية الإحسان والإصلاح التي أسسها المطران غريغوريوس حجار في العشرينيات، وكان عضوًا في جمعية الشبان العرب بل انتخب نائبًا للرئيس. واهتمت هذه الجمعية في رعاية الشباب العربي الفلسطيني في مدينة تتغير بصورة دائمة. وكان عضوًا ناشطًا في اللقاءات السياسية والثقافية، وله مجموعة من الكتابات والمساهمات الأدبية في مجلة الزهرة والزهور لصاحبها جميل البحري.

وبالرغم من أنّ السفير الياس صنبر لا يذكر حيفا، إلا أنه جاءها زائرًا وباحثًا عن بيته الكائن في شارع حداد رقم 4. وكتب قبل بضعة أشهر مقالة نشرتها جريدة السفير في مُلحق فلسطين الذي تصدره مرة كل شهر وصفًا لزيارته هذه نقتبس فقرات منتخبة  ليطلع القارئ العزيز على حب الفلسطيني لموطنه مهما مرت الأيام، لندع الياس صنبر يتكلم عن خبرته في حيفا بعد عودته إليها وقد حصل على الدكتوراة في القانون الدولي من جامعة باريس الخامسة، وشارك في تأسيس مجلة الدراسات الفلسطينية، وهو عضو  بارز في المجلس الوطني الفلسطيني منذ العام 1988.

ذاك المنـزل فــي حيـفـا

"أعلن الطيار أننا نحلّق فوق قبرص وأن الطائرة ستهبط بعد عشرين دقيقة تقريباً. هل سأشاهد مدينتي بأم العين؟ عاينت موظفة من الشرطة جواز سفري من دون أن تتوقف عند «مكان الولادة: حيفا (فلسطين)».
كنت في دياري لكن ليس في مدينتي. عقدت النية على اكتشاف حيفا عند طلوع النهار وتمضية الليلة هذه في القدس.
ولدت في مرفأ مبني على شكل مدرج في حمى أحد الرؤوس. مدينتي معروفة بطيبة أهلها وجمال خليجها الرملي وارتفاع درجة ملوحة مائه. «ماء مالحة ووجوه كالحة»، هكذا كان الحساد يشتمون المدينة وأهلها.
لكني أنا الذاهب للقاء مدينتي هذا الصباح، لم أتذكر إلا لطف أهلي الذين غابوا عنها منذ خمسين سنة.
«
عندما رحلنا، لم نكن نملك إلا الثياب التي نرتديها». هكذا تبدأ قصص البلاد المفقودة. مناجيات حزينة تنفتح على الغياب وتنغلق عليه.
«
وأنت تصعد من يافا جنوباً إلى مدينتنا شمالاً... تذكر جيداً... ذات يوم ستعبر هذه الطريق وعليك ألا تتوه وتبدو مثل غريب ينزل في بلاد لا يعرفها... وأنت تصعد من يافا جنوباً إلى مدينتنا شمالاً... تسير بمحاذاة قرية سلاّمة على يمينك... فيها يرقد أحد الصحابة وهي معروفة بقبة محرابها... تحيط بها حقول القمح والشوفان وبساتين الموز والبرتقال...
«
سقطت القرية في 30 نيسان 1948. وعندما زار بن غوريون الموقع، دوّن في يومياته أنه لم يبق فيها إلا «امرأة مسنة عمياء».
بعد سلامة ستمر بمسعودية ثم بجريشة فجمّاسين و... «ذات يوم ستعبر هذه الطريق. احفظ، احفظ الأسماء. لا تقلق إذا لم تجد أثراً للقرى التي دمّرت تماماً. لا تقلق، القرى ستراك، هي لا تزال هناك فالأرض معاندة»: سواطه، أبو كشك، إجليل، سيدنا علي، الحرم، قيصرية، الطنطورة، كفرلام، صرفند، عتليت، المزار، الدامون...
حيفا...
«
أشتاق إلى حيفا. هناك الجميع يعرفني...».
جلت مرتين في شارعنا ولم أجد بيتنا. كنت حفظت أدق تفاصيله لكن كل شيء بدا لي أصغر مما تصورته. توجهت إلى أحد الأفران:
-
هل تعرف أين يقع منزل وديع صنبر؟
لأول مرة في حياتي، لأول مرة أستعلم عن بيت أبي. وفجأة دوّى اسمه، اسمي، منفصلاً عني. صار موجوداً لذاته.
قرعت بابنا وفي غضون ثانية توقعت بلهفة مجنونة أن يُفتح الباب على وجه أعرفه. فأجابني صوت بالعربية:
-
أيوه، أيوه، مَن القارع؟
-
وُلدت في هذا المنزل وأود زيارته. فُتح الباب واستقبلتني امرأة عجوز ترتدي وزرة الجلي.
-
أنت إذاً من يرسل كل هؤلاء الناس؟(*)
-
نعم.
-
نحن فلسطينيون من قرية فسوطة و...
-
لديّ صديق من فسوطة يدعى أنطون شماس، هل تعرفينه؟
- ...
ونسكن البيت منذ بضع سنوات. على أية حال، ندفع الإيجار إلى إدارة أملاك الغائبين.
-
لا تقلقي. لم آت لأسترد البيت. أريد فقط أن أزوره.
-
أنا وحدي والطقس بارد. لم أمتلك القوة لأرتدي ملابسي. لكن ادخل. ادخل. هذا أنت إذاً... أنظر في أي حال البيت. انظر... السقف ينش لكن ليس لدينا الحق في إصلاحه كما تعرف، يقولون إن عليهم أن يصونوا منازلكم حتى رجوعكم لتجدوها بالضبط كما تركتموها. عليكم إذن أن «تشكروهم» على ذلك... الجو ممطر سأشعل الضوء. هكذا تستطيع أن تراه بشكل أفضل.
-
لا، لا عليك، لا تزعجي نفسك.
كانت المرأة المسنّة أقفلت كل مصاريع البيت لظنها أن ذلك يحد من البرد...
-
لا عليك، لا تزعجي نفسك.
وفتحتُ كل المصاريع الواحد تلو الآخر.
لم أزر بيتنا حقاً ولم أبق فيه إلا قليلاً من الوقت لأقوم بجولة عابرة في الغرف؛ لأراقب بعيني النقوشات المزهرة على البلاط، لأعاين الكوة الصغيرة التي كانت تمرر منها الأطباق من المطبخ إلى غرفة الطعام، لألاحظ أن صور أجدادي لم تكن معلقة على جانبي النافذة الكبيرة في الصالون، لأتخيل الكنبتين المصنوعتين من المخمل الأخضر عند المدخل، لأسمع أمي تصرخ بالأولاد وتنبّههم ألا يقتربوا من حافة البئر، لأتنشق روائح طعام أيام الآحاد، لأرى أبي مجدداً عبر شق النافذة يبتسم لأحد المصورين الموجودين في الحديقة، لأخرج إلى الشرفة وأتأمل جمال الرأس الداخل في البحر، لأرى قبالة منزلنا بناية عمي حبيب وأتذكر أنه كان مولعاً بالشعر وأنه لدى ولادتي أهداني قصيدة، لأنظر إلى البحر والمرفأ وأرى والدي ينزل عند كل صباح الأدراج القليلة المؤدية إلى الحديقة ويفتح البوابة الحديدية الصغيرة التي تحدث صريراً ويحيّي السمان المجاور ويتجه يميناً حتى آخر الشارع فيقرع نافذة أخته: «وديع هذا أنت خيّا، أهلاً أهلاً أدخل لنشرب فنجان قهوة».
لم أزر بيتنا حقاً ولم أبق فيه إلا قليلاً من الوقت، ومع ذلك لم أكن مستعجلاً ولم يداهمني الوقت.
-
حسناً، أشكرك، الآن سأمضي، لكني وجدت غرفة مقفلة وكان بودي زيارتها هي أيضاً.
ورحلت".

 

شكرا لابن حيفا الياس صنبر على هذه العلاقة الإنسانية والروحية مع مدينته الأم "حيفا". وشكرًا له لما بذله ويبذله من اجل فلسطين وثقافة فلسطين عبر فضاءات متعددة، منها منظمة اليونسكو.

 




Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت