X أغلق
X أغلق

تواصل معنا عبر الفيسبوك
حالة الطقس
عبلين 27º - 14º
طبريا 28º - 12º
النقب 30º - 10º
الناصرة 28º - 14º
القدس 27º - 5º
حيفا 27º - 14º
تل ابيب 26º - 12º
بئر السبع 30º - 12º
ايلات 32º - 12º
مواقع صديقة
أراء حرة
اضف تعقيب
13/11/2011 - 09:24:46 pm
جليليات (11) الحاملة لهموم شعبها بقلم جاسر الياس داود
موقع الغزال
ابنة لعائلة ميسورة المال والجاه،لكنها لم تعِش في برج من العاج،حملَتْ هموم سكان بلدتها وذلك من خلال تعامل الوالد معهم،إذ كانوا بحاجة لمساعدته،فكان يقدّم لهم المساعدة بدون حساب أو زمن،وهم بدورهم يقدمون له الخدمات في أراضيه.
ضجيج بجانب بيت أهلها في الشارع الملاصق له،استفسرت عن سبب هذه الضجة والصراخ،فأعلموها بأن فلانة زوجة فلان قد ماتت وهي في الطريق لإيصالها الى السيارة التي تنتظرها على بعد أكثر من كيلو متر واحد من مكان سكناها،إذ لم يكن الشارع قد عُبِّدَ بعد.
وهذا كان له تأثير سلبي على تنقل أو تنقلات أبناء بلدتها من والى البلدة،فلم يكن في البلدة طبيب أو محامٍ أو مهندس.فإن احتاج أحد من سكان البلدة لواحد من هؤلاء، كان  
يسافر الى حيفا إمّا على الدابة(فرس أو حمار)أو في وسيلة نقل أخرى إذا توفرت.
لم تنم في تلك الليلة، بل بقيت يقظة تفكر بالمرأة التي لفظت أنفاسها الأخيرة بسبب عدم وجود شارع معبد،إذ كان بالإمكان بواسطته من إيصالها الى أقرب طبيب بالمنطقة وإنقاذ حياتها.
انها صبية وأم لإبنتين صغيرتين جداً،تركتهن وهنّ بأمس الحاجة لها لتعيشان في بيت خالتهن الموجود في الحيّ الذي تسكن فيه.هذا الحادث آلمها كثيراً،وهي التي تربَّت وعاشت أوضاع شعبها الصعبة حين تلقّت تعليمها في كلية وطنية قريبة من القدس.
هناك نَمَت وتفتَّحت أعينها على المحن والمصاعب والمشاكل التي تعترض تقدم وازدهار شعبها الفلسطيني،الذي لا ينفكُّ يقاوم هذا المحتل،ليأتِ من بعده محتل آخر أبشع بتصرفاته الهمجية من المحتل المنصرف أو الراحل.
إنّ الأرضية أو الخلفية لهذه الثقافة الوطنية التي كانت تتمتع بها،أسقاها وأرواها معلموها في هذه الكلية الوطنية بأفكارهم وآرائهم وتحليلاتهم للأوضاع الصعبة التي كانت سائدة في المنطقة آنذاك. لم تكن الأوضاع في المنطقة المتواجدة فيها الكلية تختلف عن الأوضاع في الجليل وغيرها من المناطق الفلسطينية آنذاك،ولكن وجود القدس الشريف مركز الديانات السماوية الثلاث القريب من مكان الكلية، منحها مخزوناً من الأفكار الجادة والهادفة لمعرفة ما يدور في حياة أبناء شعبها،فعادت من تعليمها بالكلية الى قريتها حاملة في جعبتها كمّاً من حلولٍ لبعض المشاكل الإجتماعية،الإقتصادية وحتى السياسية. 
تعليمها واتقانها للغة المحتل الإنجليزي(البريطاني)ساعدها على مواجهة المسؤولين في منطقة قريتها الوادعة،فلما قابلت المسؤولين الإنجليز الذين حضروا الى البلدة،بعد الإتصالات التي تمَّت بين أحد أقربائها وكان متعلماً ومثقفاً وبين القائم مقام في منطقة البلدة،وقفت وبكل جرأة وبدون تلعثم في الكلام وطرحت أمامه طلبات أهل بلدتها،وكان أول طلب الموافقة على تعبيد الشارع الرئيسي على حساب المؤسسة المسؤولة عن هذا،وبمشاركة ومساهمة الأهالي بالتكاليف،لأن هذا الشارع يوصل البلدة بالبلدات والمدن المحيطة بها.كما وطالبت مساعدة الفلاحين من حيث التكلفة المادية في االزراعة وتسويق مزروعاتهم وتحسين أوضاعهم الاقتصادية،إذ أن غالبية سكان البلدة يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وغالبيتها بعلية أي بدون ري ومياه،وهذا أعطى بعض الفلاحين في البلدة التفكير بشكل جدي لإيصال المياه الى هذه الأراضي  والذي تحقق فيما بعد.
كما وطالبت بالعمل لحل الكثير من المشاكل التي تجابه أهل بلدتها في حياتهم اليومية.
ولقد تعجَّبَ القائم مقام من فصاحة اللغة الانجليزية التي تكلّمت بها، وسألها بإعجاب:أين تعلمتِ هذه اللغة؟فأجابت :بكل فخر واعتزاز تعلمتها في كلية عربية فلسطينية تسهر على مستقبل أولادها وبناتها،انها كلية بير زيت بجانب القدس ورام الله.فقام القائم مقام وصافحها على جرأتها وشجاعتها وعلى طريقة طرح المواضيع التي تهمُّ أبناء بلدتها،ووعد الحاضرين من سكان البلدة بالعمل بأقرب وقت ممكن لتنفيذ ما يُمكن تنفيذه من مشاريع حيوية لسكان البلدة.
ان أوضاع التعليم في فلسطين وغيرها من الأوضاع التي كانت تسود في هذه البلاد،
دفعتها الى التفكير ببناء صرح علمي عالٍ شبيهٍ بالكلية التي تلقّت تعليمها فيها، وشعرت بأن هناك أشخاص ومنهم الفتيات اللواتي لا يستطعن الحصول على التعليم العالي (ليس فقط فوق الثانوي بل فوق الابتدائي)،فأرادت كسر أو تغيير النظرية القائلة بأن التعليم العالي هو لأبناء الذوات وأصحاب المال والجاه.
لكن الظروف آنذاك لم تساعدها لأسباب كثيرة،منها،أن الأهالي لم يكونوا بتفكيرهم(ليس كل الأهالي) منفتحين وعندهم الجرأة على التحدّي للعادات والتقاليد "السخيفة" بحسب رأيها،كي يمنحوا ابنتهم أو بناتهم العلم والثقافة،وبهذا تساهم مستقبلاً ببناء مجتمع عربي فلسطيني يقوم وينهض بكل متطلبات الحياة الأساسية،ومنها تعليم وتثقيف الإبنة التي ستصبح في يوم من الأيام والدة.
لم تكن لتجحف أو تتعالى على الآخرين،فسألت بركة كاهن البلدة كي يساهم معها ومع الآخرين من المتعلمين والمتنورين ببلدتها في المشاريع الخيرية والتي تصبُّ في معظمها لمصلحة أبناء البلدة،فكان لها أن قاموا بمساعدتها في تنفيذ البعض منها،وفي مقدمتها تعبيد الشارع الرئيسي،في وقت كان الكثير من البلدات العربية الفلسطينية بدون شوارع معبدة وتفتقر الى المواصلات الميكانيكية(السيارات) إذ كان غالبية السكان في البلدات العربية يستعملون المواصلات الحيوانية(الحمار،الجمل والحصان). كانت تركب الحصان وتتوجه الى مكان العمل حاملة الزاد والماء للعمال،وهذه شهادة لأحد العمال من بلدة مجاورة لبلدتها،والذي أجبر على ترك بيته والسكن بالضفة الغربية بعد أحداث سنة 1948م.
شجَّعَتْ على تعليم بنات بلدتها حتى نهاية الصف السادس الإبتدائي(أعلى صف في مدرسة البلدة وكان مختلطاً من الطلاب والطالبات) وهذا نال إعجاب وتشجيع مفتشة المدرسة آنذاك من قِبَل وزارة التربية والتعليم واسمها صوفيا البستاني،والتي كانت ووقفت الى جانب الفتيات وشجّعت الأهالي على كسر حاجز "التجهيل" لبناتهم،إذ كانت تطلب منهن إسماعها الشعر الذي يتعلمنه وتطلب التصفيق للتي تستحسن إالقائها،كما وكانت تقوم بفحص دفاتر الطلبة وتُبدي ملاحظاتها أمام الجميع،كي يتعلّم الكل ألأسس والأهداف من ملاحظاتها.
كانت الحاملة لهموم بلدتها تتحدّث الى أقاربها في جلسات عائلية قائلة:لا يمكنني أن أتجوّل بين بيوت بلدتي وأقابِلُ بناتها ونساءها دون التحدث اليهن بمستوى رفيع يليق بالاحترام لهنَّ ولي،وإذا أردنا هذا،واجبٌ علينا وحقٌّ لهنَّ أنْ يتعلّمنَ،كما وعلينا العمل بصدق على تغيير مفاهيم الأهل لبناتهن،والقاضي بأنّهنّ خلقن َللعمل الزراعي وتدبير أمور البيت والزواج والإعتناء بالزوج والأولاد. 
كانت تقرأ وتطالع الكتب المختلفة وبخاصة الكتب الإنجليزية،وعندما تُسأل عن السبب،كانت تجيب:إذا أردتَ معرفة عدوك وما هي نقاط الضعف عنده،إقرأ وتعلم لغته أولاً ومن ثمَّ ثقافته وحضارته،وهكذا تستطيع محاربته باللغة والقلم لا بالسلاح.
حسّها الوطني الذي فجَّرَ في داخلها محبة بلدتها وشعبها العربي الفلسطيني لم يكن له حدود.
رحلت عن بلدتها بعدما رأت واقتنعت بأن هناك مكان آخر منه تستطيع أن تعطي شعبها وتخدمه،وهم الذين يحملون في داخلهم ما تحمله هي أيضاً من هموم وتفكير لإيجاد حلول لها. وهكذا قطعت مسيرة هذه الجليلية،التي كان من الممكن لو بقيت في بلدتها،أن تفعل وتقدم الكثير من المساعدات والخدمات لأبناء بلدتها أولاً ومن ثمّ لأبناء شعبها في الأماكن الأخرى.
كانت تتتبّع وتتابع حياة أبناء شعبها عبر وسائل الإعلام المختلفة،وعن طريق الزوار (وهم قلائل آنذاك) الذين كانت تطأ أقدامهم تراب الأراضي المقدسة،أراضي شعبها الفلسطيني.
الدهر يأكل من جسدها،ولكنه لم يستطع أن يأكل من ارادتها وتصميمها على المضي قدماً في مساعدة أبناء شعبها. صحيح أنها لم تتزوج ولم تبنِ لها عائلة وبيتاً يعجُّ بالأولاد والأحفاد،لكنها كانت ترى بأبناء شعبها من خلال تعاملها معهم ومساعدتهم بقدر الإمكان أبناءً لها،لا تفرق بين هذا وذاك،لا من حيث الدين أو الطائفة أو الشريحة الإجتماعية،فضميرها الباطني كان يصرخ من داخلها ليوقظها كلّما جرَّبَ وحاول الشيطان الدسّاس والمُفسِد إبطال مبادئها وتغييرها.
بقيت هكذا تقوم بخدمة أبناء شعبها في الشتات الى أن أسلمَتْ روحها الى باريها،وهي بعيدة عن بلدتها التي أحبتها كثيراً وعن أبنائها،لكنها كانت تحمل هذه البلدة وذكرياتها في داخلها أينما حلَّتْ وتواجدت،وكانت تقول جملتها المشهورة:تستطيع أن تساعد أبناء شعبك من كل موقع تتواجد به، وفي كل قطر يتواجد فيه أبناء هذا الشعب شعبك.  
 
عبلين 13/11/2011م
 



Copyright © elgzal.com 2011-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع الغزال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت